(( أنفاس مجد لحياة لا يجافيها النور ))
عنوان اتخذته لدراسة نقدية كانت لي عن النص العمودي للشاعر المصري المبدع- بشري العدلي محمد - والذي كان بعنوان - انفاس المجد - والذي فلز به بالمركز الاول بالمسابقة الشهرية للنصوص الشعرية والنثرية والتي اقامها منتدى اوركسترا سيمفونية الشعر للفترة من 15 ولغاية 20 من شهر مايو لسنة 2016 له منا اطيب الامنيات والتبريكات بالفوز .وبعد : اطلقت العنان لشعوري ان يسايرشعور صاحب ذلك القلم الذي خط ابياته الشعرية العمودية على البحر الطويل وقد كان ذلك القلم يتوق لأنفاس حياة يرى بها المجد متجسد كهواء يحرك الصدور .تأملت ذلك النفس فوجدته قصديا قهريا فالنفس تتقصده رئة الانسان وهو قهري الزامي لمن اراد البقاء على قيد الحياة .وهنا ارتأى الشاعر في نصه الشعري العمودي والذي كان من البحر الطويل ان الحياة هي عبارة عن مجد وبدونه لن تكون الحياة حياة بل لن يكون الهواء هواء ولا انفاسه انفاس بل ان الحياة الحقيقية هي الحافلة بالمجد ولأن الصدر به محتويات المرء من اسرار ومشاعر وتكمن مكنونات المرء فيه لذا كان المكنون الافتراضي الذي انشد اليه الشاعر هو مكنون المجد فالصدر الذي لايخزن المجد هو خاو على عروشه وفي عداد الخراب واللاقيمة .كانت انفاس مستحقة ان تكون عنوان لفكرة مميزة يطرحها الكاتب ويبدع في اظهارها ويفصل جماليتها ويرغب بها الآخرين بل ويدعوهم اليها من خلال الصورة المرآتية التي صور بها احساسه ترغيبا وتحفيزا للمجد المنشود الذي دعا اليه بمنتهى العذوبة مستخدما مفرداته الجميلة جائلا في رحاب المجد في ابهى صور. وبدت لنا اول معالم الصورة المرآتية للمجد الشخصي تبدأ بكف العين عن تباكيها على الحال وايقاف انسياب دموع الضعف والاستسلام كأنها تحدثنا من طرف جلي بألعزوف عن الشفقة على الذات لأن الطامح للمجد لاينبغي له ان يعيش لحظة الاحساس بالانكسار والتي تبدو اصدق مصاديقها بدموع العين التي تصب صبا في لحظة الانهيار .ومن تلك النقطة ينطلق الشاعر عبر منعطف التصوير من المشهد الشخصي المصغر الى مشهد الطبيعة الاكبر حيث يرى المجد متجليا له بفضاءات كأنها اسراب من ضياء كانت تلوح له من عتمة حالكة وجد بتلك الاسراب والمتتاليات الضوئية بارقة تكشف له قرب انتهاء عصر الظلام وانكسار ذلك التعتيم بضوء يبدو له حزمة او قبس من جذوة المجد التي ستطيح بذلك السكون والتخدر الذي عبر عنه الشاعر بكلمة مضجع في اشارة منه لتوقف كل الحواس وتخدرها عن الاحساس بالحال والشعور بالآخر. وفي ذات مشهد الطبيعة ترتسم لعيوننا ملامح نهر اطلق عليع الشاعر اسم العروبة ليضع امامنا قناعته ان الضفاف اهم من النهر وبدونها لن يكون النهر نهرا بل قد يستحيل لبحيرة او بركة او مسمى آخر لاينطبق على واقع شكل النهر واحواله ليرينا عبر تلك الصورة ان للمجد ضفافا تحيطه وان استقطاب المجد للعرب هو من اولئك الذين يحيطون العروبة ويطوقون وجودها بالارواح والابدان وكأنهم الضفاف التي تطوق ماء النهر وتحتويه وبدونها مصيره التبدد والضياع في اللامكان وتشوه خارطة وجوده ولأن سبب المجد المنشود تمثل للشاعر بتلك الضفاف فالنتيجة المترتبة على ذلك السبب لاشك انها ستكون استمرارية المجد بأشراقة ساطعة كالضياء المتكرر بكل صباح ومع كل شروق .ويستمر بنا مشهد النور في انعطافة سريعة من الطبيعة الجغرافية الى الطبيعة البشرية التي كان شعاع المجد الممتد من قلب الشاعر الى كل البشرية عبر النور الذي انتشر منه الى الخلق ومنهم ينعكس النور و يرتد اليه في دورة كاملة لنور المجد من طبيعة الكل على طبيعة الجزء ينطلق قليلا فيعود كثيرا ينطلق فردا فيعود متعددا ينطلق جزء فيعود شمولا ذلك هو نور المجد الذي حاكى الفجر به اسرابا نورانية . وليس بخاف على احد ان طبيعة النور هي الكشف والاظهار لكن الشاعر هنا وبأثناء رسمه لمسار النور اطلق عليه مسمى علم والعلم من الاعلام والاعلام اخبار بشيء ما بصريا او سمعيا ولأن الشاعر وصف مسار النور في الكون بكلمتي ملئ المسمع في اشارة جلية ان ذلك النور المنتشر ليس له حقيقة بصرية يتمثل بها بل حقيقة سمعية بلغ بها الآفاق وﻷن هناك تعتيم غير مسبوق على ذلك العلم لذا كان مبلغه سماعا متحقق اسرع من اعلامه الصوري الذي يصور حقيقته المتجلية بالمظهر او لعل استحالة وجود مثال يتوافق ظهوره مع ذلك النور الذي يشع مجدا بأرجاء الكون الرحب . ولكي لايكتنف ذلك النور اي حالة من الغموض وﻷن طبيعة النور الوضوح لذا كان لزاما عليه ان يكشف عن حقيقته التي ارتآها الشاعر فقها يصون الحياة من التصدع ومن الضرر والضرار ومن الخراب وميزانا بمعايير تضع الامور في نصابها وتقيم الخلل ويواصل ذلك النور كشف حقيقته والتعريف بهويته التي ينتسب اليها فينتسب الى النبوة التي بدورها قناة تتصل في عوالم ماوراء الكم عوالم الكمال التام لا الجزئي عوالم الشمول لا الفرد عوالم السعة لا الضيق عوالم اللانهاية.ولأن النور منبثق برؤية الشاعر عبر تلك القناة فأنه لابد له ان يكون بهذا الشمول وبتلك السعة ولابد ان تكتنفه عجائب الظهور والابهار والدهشة التي هي من مصاديق المجد ولوازم ظهوره . ويواصل الشاعر مظهرا مسارات النور انطلاقا من قلبه الذي وعى تلك الحقيقة وآمن بها ومن لوازم النور البهجة والاسئناس به وهو عكس العتمة التي تستلزم الوحشة والانقباض والضيق ولأن طبيعة النور الانتشار كان لزاما لذلك النور المنطلق من معقله بالقلب ليسطع على ابواب القلوب ومنافذه بجمال الشعور وجميل الاحساس ودفئ المحبة وحسن النية ولأن حزمة النور تنطلق على حالها وتسري على حالها وتقع على حالها فكان لابد لها ان تقع على تلك القلوب بما انطلقت فيه من قلب الشاعر. ويستمر النور على طريق مابين سريان وانعكاس فينطلق من مرآة الفرد المتمثلة بتوجه قلبه الشخصي ليقع على مرآة الجمع المتمثلة بقلوب الآخرين المقابلة لمرآة قلب الفرد فيعود هذا النور من مرآة الجمع على مرآة الفرد اقوى واشمل متضاعفا وكلما تداور النور زاد على مرآة الفرد حتى يشمل كل الصورة فيها وبذا يستحوذ على كل الحواس وكل اجزائها وقد عبر الشاعر فيها بأنه نذر كل جوارحه للأله وبدأ بتسميتها وتعدادها وكانت تلك الجوارح قد غمرها النور لدرجة انها لم تعد ملكا له بل هي ملك لذلك النور به تحيا وله تموت ومنه تنهل مجدها وتتكامل عبر نوره المتدفق اليها وقد جاوز كل الحدود والابعاد فيها فطغى عليها وكانت به ومنه واليه. ويستمر ذلك المجد النوراني بالعمل في حواس الشاعر الظاهرية منها والباطنية الشعورية ليتبدد الخوف الذي فيه من كل مخلوق سوى ذلك الأله المطلع على قلبه في دجى الخفاء والانفراد والخوف في النور رهبة ومهابة وهو عكس الخوف في العتمة والذي يكون رعبا ووحشة فيشرق النور على النوايا التي يعرضها ذلك القلب المشرق على رب المجد مسبوقا بزوال الخوف من كل شيء سوى الانقطاع عن ذلك المجد المتمثل بعلاقة سليمة مع الرب مبدؤها ومبتناها على حسن النية وسلامة القلب ومن لوازم القلب السليم هي المحبة لذلك الكامل المكمل باعث النور والمتواصل بالنور عبر النور وابرز مصاديق السلامة بالقلب هي المحبة والعكس بالعكس فمن لوازم القلب المريض الكراهية والجحود والنكران والكفر بالاحسان وينتسب القلب السليم لمنبع الحق الصافي ويتشرف بذلك النبع والمنبع ويفتخر به ويرى من المجد النقاء . ولم يكن ذلك النور بمعزل عن تلك العوائق والموانع التي تقف بوجه مساره وتحاول جاهدة وضع العراقيل مابينه وبين الانسان لكن المرء الممتلئ نورا يضيء ذلك النور لقلبه ويكشف له مكامن قدرته ويواصل ذلك النور في القلب إظهاره لما هو مجهول على التقصي في العتمة ويبدو ذلك جليا بكلمة ضربت بضم الضاد واصلها ضرب المبني للمجهول وفي سياق التصور النوراني لقوة الحدث فهناك من القوة مافيه بأس شديد وقوة فائقة وقدرة واسعة للرد بنفس البأس والقوة على الضارب الظالم وتجلى ذلك بوضوح بالرد اللفظي المماثل للفظ الحدث فتكون ضربت بفتح الضاد ذلك النور يكشف القوة الكامنة في الذات ومعلوم ان القوة توحي بالصلابة والفضاضة والجلد لكن الشاعر الذي يحمل بقلبه النور يؤكد ان القوة التي فيه لاتنتمي لقوة الطبيعة الغاشمة والتي تتفاقم صلابة وفضاضة بشكل طردي مع تزايدها انما هي كألمعاجز تسير على عكس سياقات الطبيعة المعتادة وكلما ازداد قوة ذلك القلب الذي شع عليه النور وانبثق منه كلما رق ذلك القلب وصار مرهفا مثلما شبهه الشاعر بنسيمات الصدق التي تسير الى القلب بمنتهى الطلاقة دون عوج ودون التواء تهز القلب برهافة ايقاعها دون تكلف وقد شبه الشاعر ذلك النور بالصدق الذي اتخذ منه مسارا يستنير عليه قلبه ويمضي عليه كل ايامه على طريق المجد الحافل بالضياء ونسائم الصدق التي كانت لأوعية القلوب انفاس مجد لحياة لايجافيها النور. وتحن على سلم اكتشاف قصيدة الشاعر بشري العدلي وبعد ان تجاوزنا مرتبة التحليل نجد انفسنا متأملين سياق الصور الشعرية للنص نجدها انتقالات بين الطبيعة الحسية للطبيعة الكونية للطبيعة الاجتماعية للطبيعة الكونية .فكانت نقلات سريعة تقطع المساحات الشاسعة جدا من( العين )الى (نور الفجر) الى (العروبة) الى (الضياء الساطع) ورغم جمالية المفردات وجمالية التصوير لكن سرعة تصور هذه المشاهد لذهن المتلقي لاتتوافق مع سرعة الاختصار التصويرية للنص والسرعة التي تفوق الحد تستلزم فقدان عنصر الترابط الدقيق مابين اجزاء الصورة الواحدة وان كان هناك وجود تام لروابط سليمة بين الاجزاء لكن حركية التصور عندما تتجاوز الحد ستقلل من هذا الترابط مع قوة وجوده وشدتها .وفي صلب موضوع الصورة للنص بعد تلك الحركات الصورية الخاطفة ينبثق عنوان بارز بصورة معنوية موضوعها ظاهرها الحس وباطنها الروح الا وهو الفقه وهو مجد معنوي لأنتمائه الى علياء الكون وماورائه والمنبثق من النبوة التي تجلى بها ذلك النور واظهرت مجدها المعنوي بالفقه ويقال فلان فقه الامر اي فهم الامر واحاط بما هو متلائم معه ومتناسب له وتتواصل التنقلات مابين نور (الفقه) واستكشافه للملائمات الى نور النبوة الذي هو الكشف (بنور ماوراء الطبيعة والحس) الى النور الذي يكسر عتمة السر ووحشة التفرد الى نور (علم الله )الذي استشهد به الشاعر ونسب اليه كل خير و بر يعيشهما قلبه ووجدانه ليربط بين اجزاء حياة النور ويداخل نور عيشه وحياته في ذلك النور المتعدد ويكون جزءا من ذلك المشهد النوري بطواعية تفوق رقة النسمات مضاءة بالصدق من دون كدورات تمنع الألماع الذي هو وليد دفقات النور .وأما تقييمي كناقد للنص لمستوى قوة الفكرة والمضمون والغاية التي تطرق اليهما الشاعر فأني اضع قيمة العمل الادبي على ميزان ذات الشاعر لأن المجد والنور والمصداقية ورهافة الروح التي انشد لها صاحب النص تبدو لنا كلها من الامور المعنوية البحتة ومن خصائص ميزان الامور المعنوية ان معاييره تختلف من ذات لأخرى وتتباين فيها الاوزان والقيم الاعتبارية ولأن الناقد لابد ان يكون مستقلا في تقييم المعنويات في دراسته حتى لو كانت المعايير متماثلة بينه وبين صاحب النص لكن ذلك مستلزم لخلل الحكم لدى المتلقي الذي قد تختلف معاييره جزئيا او كليا مع النص ودراسته لذا اربأت بقلمي من تقييم المعنويات لاسيما ماهي خارج نطاق الحس وماوراء الكون مسايرة مني للجميع وللمحافظة على استقلالية الدراسة فيها .ولا انكر اعجابي بالبحر الطويل والتفعيلات العروضية التي شكل الشاعر نصه العمودي على سياقها بمفردات جمعت بين ماهو معنوي في الذات وماهو خارجها .امنياتي بالتوفيق ومزيد من الألق للشاعر المصري بشري العدلي وكان هذا نصه الذي اجريت عليه الدراسة :
قصيدة
( أنفاس المجد )
ياعـينُ كُـفِّي لاتصـبي أدمعي
أسرابُ نور الفجرِ حول المضجعِ
المجد ينبع من ضفاف عروبتي
سيظل مجدي كالضياء الساطعِ
إنِّي نشرتُ النورَ خيراً في الورى
علما يضيء الكونَ ملءَ المسمعِ
فـقهاً تجـلَّـى كي يصون حـياتنا
نور النبـوة قـد أضـاء مرابعي
ونشرت نور الحق من قلب وعي
كيما ينير الحق في قلب يعي
إني نذرتُ إلى الإله جوارحي
؛ أذني وعقلي والفؤادُ ومسمعي
ماخفتُ إلا من يراني في الدجى
إن كنت منفـردا أنـام بمخـدعي
فـالله يعـلم أن حـبِّيَ صـادقٌ
فالخير والإحسان هذا منبعي
فإذا ظُلِمتُ فلستُ أنسى قدرتي
وإذا ضربتُ ضربتُ ضربَ الموجعِ
إني أعيش على الحياة كأنني
نسماتُ صدقٍ في الضياء اللامعِ
عنوان اتخذته لدراسة نقدية كانت لي عن النص العمودي للشاعر المصري المبدع- بشري العدلي محمد - والذي كان بعنوان - انفاس المجد - والذي فلز به بالمركز الاول بالمسابقة الشهرية للنصوص الشعرية والنثرية والتي اقامها منتدى اوركسترا سيمفونية الشعر للفترة من 15 ولغاية 20 من شهر مايو لسنة 2016 له منا اطيب الامنيات والتبريكات بالفوز .وبعد : اطلقت العنان لشعوري ان يسايرشعور صاحب ذلك القلم الذي خط ابياته الشعرية العمودية على البحر الطويل وقد كان ذلك القلم يتوق لأنفاس حياة يرى بها المجد متجسد كهواء يحرك الصدور .تأملت ذلك النفس فوجدته قصديا قهريا فالنفس تتقصده رئة الانسان وهو قهري الزامي لمن اراد البقاء على قيد الحياة .وهنا ارتأى الشاعر في نصه الشعري العمودي والذي كان من البحر الطويل ان الحياة هي عبارة عن مجد وبدونه لن تكون الحياة حياة بل لن يكون الهواء هواء ولا انفاسه انفاس بل ان الحياة الحقيقية هي الحافلة بالمجد ولأن الصدر به محتويات المرء من اسرار ومشاعر وتكمن مكنونات المرء فيه لذا كان المكنون الافتراضي الذي انشد اليه الشاعر هو مكنون المجد فالصدر الذي لايخزن المجد هو خاو على عروشه وفي عداد الخراب واللاقيمة .كانت انفاس مستحقة ان تكون عنوان لفكرة مميزة يطرحها الكاتب ويبدع في اظهارها ويفصل جماليتها ويرغب بها الآخرين بل ويدعوهم اليها من خلال الصورة المرآتية التي صور بها احساسه ترغيبا وتحفيزا للمجد المنشود الذي دعا اليه بمنتهى العذوبة مستخدما مفرداته الجميلة جائلا في رحاب المجد في ابهى صور. وبدت لنا اول معالم الصورة المرآتية للمجد الشخصي تبدأ بكف العين عن تباكيها على الحال وايقاف انسياب دموع الضعف والاستسلام كأنها تحدثنا من طرف جلي بألعزوف عن الشفقة على الذات لأن الطامح للمجد لاينبغي له ان يعيش لحظة الاحساس بالانكسار والتي تبدو اصدق مصاديقها بدموع العين التي تصب صبا في لحظة الانهيار .ومن تلك النقطة ينطلق الشاعر عبر منعطف التصوير من المشهد الشخصي المصغر الى مشهد الطبيعة الاكبر حيث يرى المجد متجليا له بفضاءات كأنها اسراب من ضياء كانت تلوح له من عتمة حالكة وجد بتلك الاسراب والمتتاليات الضوئية بارقة تكشف له قرب انتهاء عصر الظلام وانكسار ذلك التعتيم بضوء يبدو له حزمة او قبس من جذوة المجد التي ستطيح بذلك السكون والتخدر الذي عبر عنه الشاعر بكلمة مضجع في اشارة منه لتوقف كل الحواس وتخدرها عن الاحساس بالحال والشعور بالآخر. وفي ذات مشهد الطبيعة ترتسم لعيوننا ملامح نهر اطلق عليع الشاعر اسم العروبة ليضع امامنا قناعته ان الضفاف اهم من النهر وبدونها لن يكون النهر نهرا بل قد يستحيل لبحيرة او بركة او مسمى آخر لاينطبق على واقع شكل النهر واحواله ليرينا عبر تلك الصورة ان للمجد ضفافا تحيطه وان استقطاب المجد للعرب هو من اولئك الذين يحيطون العروبة ويطوقون وجودها بالارواح والابدان وكأنهم الضفاف التي تطوق ماء النهر وتحتويه وبدونها مصيره التبدد والضياع في اللامكان وتشوه خارطة وجوده ولأن سبب المجد المنشود تمثل للشاعر بتلك الضفاف فالنتيجة المترتبة على ذلك السبب لاشك انها ستكون استمرارية المجد بأشراقة ساطعة كالضياء المتكرر بكل صباح ومع كل شروق .ويستمر بنا مشهد النور في انعطافة سريعة من الطبيعة الجغرافية الى الطبيعة البشرية التي كان شعاع المجد الممتد من قلب الشاعر الى كل البشرية عبر النور الذي انتشر منه الى الخلق ومنهم ينعكس النور و يرتد اليه في دورة كاملة لنور المجد من طبيعة الكل على طبيعة الجزء ينطلق قليلا فيعود كثيرا ينطلق فردا فيعود متعددا ينطلق جزء فيعود شمولا ذلك هو نور المجد الذي حاكى الفجر به اسرابا نورانية . وليس بخاف على احد ان طبيعة النور هي الكشف والاظهار لكن الشاعر هنا وبأثناء رسمه لمسار النور اطلق عليه مسمى علم والعلم من الاعلام والاعلام اخبار بشيء ما بصريا او سمعيا ولأن الشاعر وصف مسار النور في الكون بكلمتي ملئ المسمع في اشارة جلية ان ذلك النور المنتشر ليس له حقيقة بصرية يتمثل بها بل حقيقة سمعية بلغ بها الآفاق وﻷن هناك تعتيم غير مسبوق على ذلك العلم لذا كان مبلغه سماعا متحقق اسرع من اعلامه الصوري الذي يصور حقيقته المتجلية بالمظهر او لعل استحالة وجود مثال يتوافق ظهوره مع ذلك النور الذي يشع مجدا بأرجاء الكون الرحب . ولكي لايكتنف ذلك النور اي حالة من الغموض وﻷن طبيعة النور الوضوح لذا كان لزاما عليه ان يكشف عن حقيقته التي ارتآها الشاعر فقها يصون الحياة من التصدع ومن الضرر والضرار ومن الخراب وميزانا بمعايير تضع الامور في نصابها وتقيم الخلل ويواصل ذلك النور كشف حقيقته والتعريف بهويته التي ينتسب اليها فينتسب الى النبوة التي بدورها قناة تتصل في عوالم ماوراء الكم عوالم الكمال التام لا الجزئي عوالم الشمول لا الفرد عوالم السعة لا الضيق عوالم اللانهاية.ولأن النور منبثق برؤية الشاعر عبر تلك القناة فأنه لابد له ان يكون بهذا الشمول وبتلك السعة ولابد ان تكتنفه عجائب الظهور والابهار والدهشة التي هي من مصاديق المجد ولوازم ظهوره . ويواصل الشاعر مظهرا مسارات النور انطلاقا من قلبه الذي وعى تلك الحقيقة وآمن بها ومن لوازم النور البهجة والاسئناس به وهو عكس العتمة التي تستلزم الوحشة والانقباض والضيق ولأن طبيعة النور الانتشار كان لزاما لذلك النور المنطلق من معقله بالقلب ليسطع على ابواب القلوب ومنافذه بجمال الشعور وجميل الاحساس ودفئ المحبة وحسن النية ولأن حزمة النور تنطلق على حالها وتسري على حالها وتقع على حالها فكان لابد لها ان تقع على تلك القلوب بما انطلقت فيه من قلب الشاعر. ويستمر النور على طريق مابين سريان وانعكاس فينطلق من مرآة الفرد المتمثلة بتوجه قلبه الشخصي ليقع على مرآة الجمع المتمثلة بقلوب الآخرين المقابلة لمرآة قلب الفرد فيعود هذا النور من مرآة الجمع على مرآة الفرد اقوى واشمل متضاعفا وكلما تداور النور زاد على مرآة الفرد حتى يشمل كل الصورة فيها وبذا يستحوذ على كل الحواس وكل اجزائها وقد عبر الشاعر فيها بأنه نذر كل جوارحه للأله وبدأ بتسميتها وتعدادها وكانت تلك الجوارح قد غمرها النور لدرجة انها لم تعد ملكا له بل هي ملك لذلك النور به تحيا وله تموت ومنه تنهل مجدها وتتكامل عبر نوره المتدفق اليها وقد جاوز كل الحدود والابعاد فيها فطغى عليها وكانت به ومنه واليه. ويستمر ذلك المجد النوراني بالعمل في حواس الشاعر الظاهرية منها والباطنية الشعورية ليتبدد الخوف الذي فيه من كل مخلوق سوى ذلك الأله المطلع على قلبه في دجى الخفاء والانفراد والخوف في النور رهبة ومهابة وهو عكس الخوف في العتمة والذي يكون رعبا ووحشة فيشرق النور على النوايا التي يعرضها ذلك القلب المشرق على رب المجد مسبوقا بزوال الخوف من كل شيء سوى الانقطاع عن ذلك المجد المتمثل بعلاقة سليمة مع الرب مبدؤها ومبتناها على حسن النية وسلامة القلب ومن لوازم القلب السليم هي المحبة لذلك الكامل المكمل باعث النور والمتواصل بالنور عبر النور وابرز مصاديق السلامة بالقلب هي المحبة والعكس بالعكس فمن لوازم القلب المريض الكراهية والجحود والنكران والكفر بالاحسان وينتسب القلب السليم لمنبع الحق الصافي ويتشرف بذلك النبع والمنبع ويفتخر به ويرى من المجد النقاء . ولم يكن ذلك النور بمعزل عن تلك العوائق والموانع التي تقف بوجه مساره وتحاول جاهدة وضع العراقيل مابينه وبين الانسان لكن المرء الممتلئ نورا يضيء ذلك النور لقلبه ويكشف له مكامن قدرته ويواصل ذلك النور في القلب إظهاره لما هو مجهول على التقصي في العتمة ويبدو ذلك جليا بكلمة ضربت بضم الضاد واصلها ضرب المبني للمجهول وفي سياق التصور النوراني لقوة الحدث فهناك من القوة مافيه بأس شديد وقوة فائقة وقدرة واسعة للرد بنفس البأس والقوة على الضارب الظالم وتجلى ذلك بوضوح بالرد اللفظي المماثل للفظ الحدث فتكون ضربت بفتح الضاد ذلك النور يكشف القوة الكامنة في الذات ومعلوم ان القوة توحي بالصلابة والفضاضة والجلد لكن الشاعر الذي يحمل بقلبه النور يؤكد ان القوة التي فيه لاتنتمي لقوة الطبيعة الغاشمة والتي تتفاقم صلابة وفضاضة بشكل طردي مع تزايدها انما هي كألمعاجز تسير على عكس سياقات الطبيعة المعتادة وكلما ازداد قوة ذلك القلب الذي شع عليه النور وانبثق منه كلما رق ذلك القلب وصار مرهفا مثلما شبهه الشاعر بنسيمات الصدق التي تسير الى القلب بمنتهى الطلاقة دون عوج ودون التواء تهز القلب برهافة ايقاعها دون تكلف وقد شبه الشاعر ذلك النور بالصدق الذي اتخذ منه مسارا يستنير عليه قلبه ويمضي عليه كل ايامه على طريق المجد الحافل بالضياء ونسائم الصدق التي كانت لأوعية القلوب انفاس مجد لحياة لايجافيها النور. وتحن على سلم اكتشاف قصيدة الشاعر بشري العدلي وبعد ان تجاوزنا مرتبة التحليل نجد انفسنا متأملين سياق الصور الشعرية للنص نجدها انتقالات بين الطبيعة الحسية للطبيعة الكونية للطبيعة الاجتماعية للطبيعة الكونية .فكانت نقلات سريعة تقطع المساحات الشاسعة جدا من( العين )الى (نور الفجر) الى (العروبة) الى (الضياء الساطع) ورغم جمالية المفردات وجمالية التصوير لكن سرعة تصور هذه المشاهد لذهن المتلقي لاتتوافق مع سرعة الاختصار التصويرية للنص والسرعة التي تفوق الحد تستلزم فقدان عنصر الترابط الدقيق مابين اجزاء الصورة الواحدة وان كان هناك وجود تام لروابط سليمة بين الاجزاء لكن حركية التصور عندما تتجاوز الحد ستقلل من هذا الترابط مع قوة وجوده وشدتها .وفي صلب موضوع الصورة للنص بعد تلك الحركات الصورية الخاطفة ينبثق عنوان بارز بصورة معنوية موضوعها ظاهرها الحس وباطنها الروح الا وهو الفقه وهو مجد معنوي لأنتمائه الى علياء الكون وماورائه والمنبثق من النبوة التي تجلى بها ذلك النور واظهرت مجدها المعنوي بالفقه ويقال فلان فقه الامر اي فهم الامر واحاط بما هو متلائم معه ومتناسب له وتتواصل التنقلات مابين نور (الفقه) واستكشافه للملائمات الى نور النبوة الذي هو الكشف (بنور ماوراء الطبيعة والحس) الى النور الذي يكسر عتمة السر ووحشة التفرد الى نور (علم الله )الذي استشهد به الشاعر ونسب اليه كل خير و بر يعيشهما قلبه ووجدانه ليربط بين اجزاء حياة النور ويداخل نور عيشه وحياته في ذلك النور المتعدد ويكون جزءا من ذلك المشهد النوري بطواعية تفوق رقة النسمات مضاءة بالصدق من دون كدورات تمنع الألماع الذي هو وليد دفقات النور .وأما تقييمي كناقد للنص لمستوى قوة الفكرة والمضمون والغاية التي تطرق اليهما الشاعر فأني اضع قيمة العمل الادبي على ميزان ذات الشاعر لأن المجد والنور والمصداقية ورهافة الروح التي انشد لها صاحب النص تبدو لنا كلها من الامور المعنوية البحتة ومن خصائص ميزان الامور المعنوية ان معاييره تختلف من ذات لأخرى وتتباين فيها الاوزان والقيم الاعتبارية ولأن الناقد لابد ان يكون مستقلا في تقييم المعنويات في دراسته حتى لو كانت المعايير متماثلة بينه وبين صاحب النص لكن ذلك مستلزم لخلل الحكم لدى المتلقي الذي قد تختلف معاييره جزئيا او كليا مع النص ودراسته لذا اربأت بقلمي من تقييم المعنويات لاسيما ماهي خارج نطاق الحس وماوراء الكون مسايرة مني للجميع وللمحافظة على استقلالية الدراسة فيها .ولا انكر اعجابي بالبحر الطويل والتفعيلات العروضية التي شكل الشاعر نصه العمودي على سياقها بمفردات جمعت بين ماهو معنوي في الذات وماهو خارجها .امنياتي بالتوفيق ومزيد من الألق للشاعر المصري بشري العدلي وكان هذا نصه الذي اجريت عليه الدراسة :
قصيدة
( أنفاس المجد )
ياعـينُ كُـفِّي لاتصـبي أدمعي
أسرابُ نور الفجرِ حول المضجعِ
المجد ينبع من ضفاف عروبتي
سيظل مجدي كالضياء الساطعِ
إنِّي نشرتُ النورَ خيراً في الورى
علما يضيء الكونَ ملءَ المسمعِ
فـقهاً تجـلَّـى كي يصون حـياتنا
نور النبـوة قـد أضـاء مرابعي
ونشرت نور الحق من قلب وعي
كيما ينير الحق في قلب يعي
إني نذرتُ إلى الإله جوارحي
؛ أذني وعقلي والفؤادُ ومسمعي
ماخفتُ إلا من يراني في الدجى
إن كنت منفـردا أنـام بمخـدعي
فـالله يعـلم أن حـبِّيَ صـادقٌ
فالخير والإحسان هذا منبعي
فإذا ظُلِمتُ فلستُ أنسى قدرتي
وإذا ضربتُ ضربتُ ضربَ الموجعِ
إني أعيش على الحياة كأنني
نسماتُ صدقٍ في الضياء اللامعِ
********************************
رائد مهدي / العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق