السبت، 28 مايو 2016

عودة الى الحقبة الذهبية : بقلم الكاتب ناجح صالح

عودة الى الحقبة الذهبية 
------------------------
أحن اليها تلك الحقبة من الخمسينيات من القرن الماضي .
كنا في بدايتها صبية صغارا نلعب اللعب البريء في الزقاق ونتعلم العلم النافع في المدرسة ، لا يعكر صفو حياتنا شيء فهي أيام صفاء ونقاء ، كصفاء السماء ونقاء الثوب الأبيض .
ورغم الفقر المدقع الذي يحتوينا وبيوت الطين التي تأوينا والطعام الخشن الذي يغذينا لم نكن نتأفف ولا نضجر ولا نتمرد .. قانعين مستسلمين ، تعلو الابتسامة الوجوه ويداعب بعضنا بعضا في تسلية حلوة ممتعة .
في أيام الصيف القائظ يجمعنا الزقاق وفي أيام الشتاء القارص تجمعنا المدرسة ، نتلقى الدرس على شغف وشوق حرفا حرفا فتحفظه صدورنا وتستوعبه ذاكرتنا ليكون خزينا للقادم من الأيام .
الا أنه في ليالي الشتاء الطويلة الحالكة الظلمة لم يكن يتبين لأبصارنا شيء الا القليل على ضوء المصباح الباهت .. في أوقات تكون السماء ملبدة بالغيوم ليتساقط مطر غزير يتخلله سنا برق وصوت رعد يفزعنا ويرعبنا لنهرع الى أحضان أمهاتنا مذعورين .
غير أنه في أواخر تلك الحقبة ذاتها تغير الحال ، اذ انتقلنا من طور الصبا الى طور الشباب لتحتوينا المدرسة الثانوية ، ويا لها من أيام وقد اشتد عودنا وقوي ساعدنا ونضجت عقولنا بما كسبناه من معارف وعلوم .
وتفرز الزمالة المدرسية نوعا آخر من العلاقات الحميمة بما فيها من أحاديث لم نتطرق اليها من قبل وبما فيها من همسات تخفق لها القلوب ، كأن دنيا جديدة تقتحمنا دون استئذان ، وكأن أفئدتنا أجنحة طيور ترفرف في الأعالي
فاذا جاء الربيع هرولنا الى الحقول حيث الطبيعة الغناء لنشم عطر الزهور ونتدفأ بالشمس فنلهو ونمرح ، كأن الدنيا لنا وحدنا دون غيرنا .
أي شعور وأي احساس هذا الذي يراودنا !
انه النقاء ليس غير وأنه الصفاء معه في هذه الرحلة الجميلة من الحياة .. لا هموم ولا أحزان .
لا أحد ينغص علينا طعم الحرية التي نتذوقها ولا أحد يريد أن ينتزع منا أحلامنا وآمالنا .
ولعل أجمل ما في هذه الحقبة أننا كنا مبهورين بمن سبقونا في تكملة مشوارهم الدراسي وأصبح لهم شأن وأي شأن ، فكنا نتطلع أن نحذو حذوهم في رسم غد مشرق لحياتنا فنكون قد أرضينا أنفسنا وأهلينا ووطننا بما تحقق من نجاح في هذه المسيرة الطويلة المضنية من الكفاح .
وقد أدت تلك الطليعة بل النخبة من جيلنا للوطن ما يرتقي به ويفخر ، ذلك أن ثقل الأمانة لا ينهض به الا من أوفى للوطن حقه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

Text Widget

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل