(( رؤيا في مضمون مشهد من لعنة الفرعون ))
عنوان لدراسة نقدية كانت لي في نص الروائية والأديبة حسيبة طاهر المواطنة الكندية من أصول جزائرية أطيب امنياتي لها وفائق الود . وهذا هو المقطع الذي قمت بدراسته من روايتها (لعنة الفرعون) .فوقت طيب اتمناه لكم مع النص ودراسته .وهذا هو النص :
// مقطع من لعنة الفرعون //
في قعر الظلام في جوف الخوف في عطش الصوت و اللون ، في ذلك العصر الغريب الطقوس كانت تتخبط في دوامة الحاضر المعجون بعصارة الماضي و الآتي المجهول الهوية و المعالم ، وقفت فغاصت أرجلها في أرض هشة سبحت كان اليم متيبسا، كانت هناك وحيدة بعيدة شاردةٌ شاردة ، زهرة تلهو بها يد الرياح لا غصن يسندها ،لم تتلقى أيّ لقاح ، فمناعتها أضعفها نقص الشمس في هذه المدينة المكفنة بياضا,هي من كانت تتغدى من لب الشمس و تتعشى من لهيبها , و تستحم بنورها حتى يأخد لونها ملامحها و ملامحها لونها ,فتشع نارا ونورا وجنتيها و تصير ثمرة يانعة قبل موسمها ، أي فيتامين ينقصها يا ترى؟؟ إنه عنبر الشرق وعبير المراعي ما ينقصها ، هناك حيث كانت تصطاد القمر و تضعه على حجرها فتهديه بعض القبل و يهديها عطرالربى , و إن عطشا فمن معين الحب يشربا،و يحتفي بهما الفراش و تزغرد البلابل و يغطيهما الدجى , و يرقصان على أنغام الغديرولحن الخرير و يتعطران بالصدى والشذى ، و يتوجهما المرج عاشقان من ذلك الزمان المنتسى , حيث كانت الأرض بالحب تكتسى و تشع بالصفاء والوفاء ، ويضع على جبينيهما آكاليل ياسمين مطوقة, و الشجر بهما نشوان و التّل ولهان يرمقهما بعين تتوق قريبَ الملتقى, و الزنبق يسرق منهما الغزل ليلقيه ذات حظٍ على مسمع الفتون العابرات للسفوح و المنحدرات , في ذلك الزمن البعيد القريب حيث كان الكون ملكها والدنيا خلقت لأجلها ، حيث كانت عروس الحب المدللة , هناك حيث اللا زمن, و المكان قلوب دافئة و أحضان فياحة بالعطر فواحة ،حيث الأمان أعين تهيم بملامح لينة شهية بهية غضة الأغصان تُرْشَقُ بالبسمات صبحا و مساء، في ذلك العهد كان لونها أخضر فاتح و كل همها أن يستفيق الوجود كي تفتح أبواب الكون و تخرج لتجمع النجوم في إبريق و تنثرها في الأفق عبيرا ينعش الأوردة فتلين و يجري بها دم صاف لم يلامسه ثنائي الممسك المسموم , هي من كانت كل ذلك الصفاء و الخواء و الهناء، صارت اليوم جبل هم شاهق يشهق حزنا مكتوما و يسيل دمعه مالحا فيقتل ما متبقى في نفسها من شتلات الأمل، ينهمردمعها سيلا معبأ بسموم الحياة حتى يكون بحيرة شديدة الملوحة و السمومة و التلوث لا يعيش فيها حتى الموت ذاته. -نهاية المقطع- .
الدراسة النقدية :
المقدمة :
منذ وجود اللعنة في هذا الكون وهي تحمل عنوان لسلبية متسلسلة ومتصلة وقد تكون سلبا تتكرر نسخته .وببساطة ان اللعنة هي شجرة الألم التي لاتموت ابدا وان اختفت براعم اشواكها حينا فأنها سرعان ماتوخز بريئا في لحظة لايحتسب لها وفي معظم الأحيان لم يك قد هيأ نفسه اليها لأن اللعنة منشأها الغدر والظلم او بالأحرى هي صناعة ونتاج وثمر لتلك المسميات سيئة الصيت وقد يراها اتباع الغيب بأنها جزاء واستحقاق يطال المسيء بينما يراها العقلانيين بأنها غدر يطال الأنسان في جسده او نفسه ولايجدون انفسهم معنيين بمعرفة سببها الغيبي بقدر محاولات علمية لم تزل في طورها البدائي لتحليل مفهوم اللعنة وقد تبدو فجة كلما ارتقت الأجيال سلم المعرفة . اللعنة يوثقها الأدب على انها معاناة ذات بعدين الأول معلوم وهو الأنسان والآخر مجهول او بألأحرى سبب لايتاح للعقل البشري القاصر ادراكه بشكل قطعي وحتمي . ومن هذا الباب وكما هو معلوم انه ينسب المولود لأقرب أب او لأقرب سبب أو جهة يتصل فيها لذا نقول عن معاناة شخص بأنها لعنة الفقر او لعنة الحرمان او لعنة المرض او لعنة الحظ او لعنة القدر وهكذا تتفتح أمامنا ابواب وطرق تفضي لوضع هذا المسمى في اطار قد يكون اقرب الى حقيقته وواقعه ولأنني أديب لذا ادون وجهة نظري بمجهر الأدب وانظر للموضوع بعين الأديب لذا اواصل مابنيت عليه وجهة نظري عن مفهوم اللعنة بأنها تنسب لأقرب جهة ومصدر لذا نرى لعنة الفرعون ماهي الا لعنة منسوبة لأقرب مصدر اليها وهو الفرعون ولأن الفرعون هو بحد ذاته اسوء رموز الذكورية ولأن اللعنة هي من اشنع الاعمال وابشع الأحداث لذا كان التناسق شديد في فكرة اقران اللعنة بالفرعون والتي هي عبارة عن معاناة متسلسة متوارثة يتوارثها طغاة الذكور جيلا بعد جيل .وماهذه سوى قراءة مبسطة مني او بالأحرى تأمل ابتدائي لمعنى لعنة الفرعون التي كانت عنوان لرواية بقلم الروائية الأديبة حسيبة طاهر المواطنة الكندية من اصول جزائرية . امنياتي لها بالتوفيق .
المدخل :
اتفق مع الروائية حسيبة طاهر على عدة امور منها ان الظلام في حقيقته هو قعر لأن الظلام هو انحدار وتسافل لذا تجد الظلام في جوف الأرض و الناس وفي مغارات الجبال المنحدرة والكهوف الملتوية .تجد الظلام في الأنفاق التي هي تحت السطح . الظلام هو اختباء وحجب وطمس لذا لاغرابة ان يكون للظلام قعر بل هو بعينه قعر و ردة ونكوص.وكذلك على وصفها جوف الخوف فأنا أرى ان الخوف في حقيقته هو اجوف وهناك شاسع كبير بين الخوف وبين الحذر فألحذر انك تتحذر من خطر له وجود فعلي اما الخوف فهو الهلع والقلق الشديد والتحسب لأوهام وخرافات قد تكون معتقدات او عادات وتقاليد وقد يخاف المرء من فكرة زرعها الأوغاد في ذهنه فآمن بضعفه واحتياجه وتبعيته وذلك ابشع الخوف بل ابشع من الخوف هو ان يسلم المرء قلبه الى الخوف ولمن يزرعون به الخوف ويهدمون ثقته بنفسه وابشع الخوف هو ان يخاف المرء ممن هو اضعف منه حقيقة وتلك هي الطامة الكبرى وقد يخاف المرء من نفسه وتلك هي لعنة من لعنات الخوف .
ونواصل تأمل نص الكاتبة حسيبة طاهر فنجدها تخبرنا عن عطش الصوت فكانت امامي مفرداتها هذه عبارة عن مركب من طرفين كل له ارتباطه فالعطش هو في الجوف والصوت مكانه الى الخارج فكان العطش هو الألم الصامت والصوت هو صرخات الألم وتعابيره لذا كان عطش الصوت هو مركب لطرفين يجمعهما الألم .وكذا عطش اللون هو الأندماج ببقية الألوان وان الملل هو قرين اللون الواحد حتما وماابشع الظلام لأنه بلون واحد معتم لاينسجم مع اي لون .
تتوجع الحروف وتضيق السطور بحملها بعد الصدور فهي بحق دوامة من ألم معجون بقلم الكاتبة وكانت بحق ترسم ألما غريبا يتوافق مع العصر الغريب الطقوس الذي يصدر ألما خليطا من عصارة الماضي ونتائجه الممتدة الى النقطة المجهولة في بعد الزمن الذي نسايره بالجهل ويقابلنا بما هو فوق توقعاتنا اغلب الأحيان . كان بحق ذلك الألم هو عبارة عن دوامة أدارها من ادارها في لحظة مضت ويصعب جدا التكهن بالجهة التي ستقف اليها او عندها لأن دوامة الألم لا معالم لها بل في الألم تتشابه كل الأشياء بفقدانها لرونقها وفقدان المرء للرغبة فيها .ومااصعب الوقوف على ارض هشة لاتساند الواقف ولا تدعم وقفته . لعمري ان الأرض الهشة والأرضية الهشة هي ذلك المجتمع التي نبتت به تلك المتألمة بطلة رواية الكاتبة فتلك الأرض تغدر وتخذل ولاتدعم الموقف الذي وقفت فيه .
وماكانت تلك السباحة في ذلك اليم سوى تواجد في مكان خدعت فيه كل الحواس فكان امامها بحرا ممتلأ وحين القت بنفسها في قلب اليم وجدته فارغا في اشارة واضحة للخذلان الذي هو نتيجة للخداع وقد يكون وهما كبيرا خادعا يظهر بحال وحقيقته حالة اخرى بائسة للغاية .
صراخ متواصل لبطلة الرواية وماافجع صرخات الوحدة والشرود ومالشرود الا هو وحدة وسط الجموع وانفلات للذات من كل الارتباطات الزمكانية .كم هو مفجع ألم المرء حين يكون آلة للهو وقضاء الوقت وتسلية للآخرين ليس الا كم هو صعب شعور المرء حين لايجد متكأ يستند اليه الا ذاته فيلجأ لنفسه يلتذ بها ويجبر أنكساره من ذاته المتألمة كم هو فضيع ان لاتجد بطلة القصة ذهنا تلاقح افكاره افكارها لينتشون بتراكيب فهم جديدة تتوالد فهما جامعا ونقطة التقاء وميناء استقرار وجذوة حياة وامل لأجلها تبث الحياة دفئ تواصلها . ويال تلك المناعة التي سرقتها يد الظلام في عتمة الليالي فبلاد تنقص فيها الشمس ويكسوها الثلج ستبرد فيها كل الأشياء وكذا النفوس التي ليس فيها سوى شتاء الضجر وجليد اليأس وقلة شمس الأمل لن يكون حالها كما هي حين تكون مشرقة بالأمل لاهبة من حر الرجاء ليكون لكل شيء من معالم حياتها معنى وعنوانا ثم تسكب الكاتبة وصفا بغاية الجمال لتلك الوجنات وتداخلهما بألنار والنور في اشارة لنار النضج ونور الفهم والأكتشاف فالنار والنور يتشابهان في المظهر ويختلفان في خارطة العمل فالنار قوة وقسوة وألم والنور رقة ولطف وارتياح وقد يتداخلان ظاهريا فتكون تلك الثمرة العجيبة ثمرة من نار ونور في آن واحد وكم هو صعب حين يجد نفسه نارا ونورا في وقت واحد وجسد واحد .
تتسائل كاتبة الرواية قائلة عن تلك الفتاة أي فيتامين ينقصها ياترى ؟ ومعلوم ان الفيتامين هو سند وقوة وتعويض لتترك للمتلقي ان يضع مايشاء من مسمى لشيء يرى تلك الفتاة تحتاج اليه حقا لتبدو في وضع امين لا وهن فيه ولا اضطراب هذا مايبدو لأول وهلة لكنها ولكي لاتكلف المتلقي عناء الأفتراض سارعت لملئ الفراغ بأجابة سريعة كي لايسبقها احد لفهم احتياج بطلة روايتها ولأنها هي الأقرب لبطلتها فكانت الأسرع اجابة من اي مفترض فعبرت بلسان حالها مجيبة انه عنبر الشرق والعنبر مكانه اعماق البحر في جوف الحيتان العنبر الذي يفترضه المتلقي بأنه الجمال المخبوء في مغامرة والأثارة المحفوفة بالخطر وعنبر الشرق هو عطر يستحوذ على كل المكان الذي ينتشر فيه بقوة منقطعة النظير هو العطر الجامع للقوة والأثارة هو النار والنور ومااشبه هذا العطر بتلك الثمرة .وتكمل اجابتها بأن ماينقص تلك الفتاة هو عبير المراعي ولعلها ارادت بعبير المراعي مساحات خضراء تتنسم فيها دفئ قبلات عطرية .وكانت بحاجة للأرتواء من حب يذهب بعطشها ويندي حياتها ويطري فيها روح الحب لتزهر على الدوام على فراش الطبيعة كانت تحتاج لأمتزاج زغاريد البلابل وغطاء الليل المرخى بالسكون كانت تحتاج للأنسجام مع الطبيعة الثابتة من سكون الليل وللطبيعة المتحركة من زغاريد البلابل وتجاوبها مع محضرها .كانت بحسب جواب الكاتبة ان بطلتها كان ينقصها العشق واكاليل الياسمين وكان ينقصها نشوة الشجر واشتياق التلال للمياه .كان ينقصها الغزل كان ينقصها ان تكون كما كانت عروسا مدللة بالحب ولهفة اشتياق تفوق التصور كان ينقصها دفئ لقلبها الذي اصابته يد الشتاء ببرد السنين وتستمر الكاتبة بتعداد ماينقص تلك الفتاة فتضع الأمان على قائمة احتياجها والصفاء والهناء ولكي تثبت ان بطلتها فعلا بحاجة لكل ماتم ذكره فهي تستدل على المفقود بما هو موجود فتصف حال بطلتها بجبل الهم الشاهق بالحزن والكتمان تجري من اعاليه الدموع جداولا ملحية تقتل شتلات الأمل وتكسر فيها روح الأخضرار وتلوث معالمها بالحزن الذي هو اشد من الموت لأن الموت يفر من مشهد يحتوي فجيعة تجاوزت بشاعة الموت من هول الألم .
نلخص رؤيتنا بأن الكاتبة أشبعت النص بالوصف الوافي بل تجاوزت مساحة التوصيف الوافي لكن يحسب لها انها كانت تنوع الصور وذلك لأحتياج فكرة النص الى طاقة عالية من العاطفة التي ينجم عنها التعاطف التام مع الفكرة المطروحة لفتاة شرقية تحمل بقلبها روح شرقية بجسد غربي في تركيب من طرفين لايلتقيان بأي حال الا بألأنحياز التام لأحدهما ومااصعب الحياة بين متضادين . وهنا يتوهج ابداع الفكرة التي تصور معاناة بهذا الشكل وتستعرض تلك الأشكالية عبر مقطع من رواية في عنوانها يبدو لنا التذمر من لعنة توارثها فراعنة العصر الحديث ومن ثم طرح تساؤل عن احتياج أساسي تعددت مطالبه لكن الأمر الملفت للنظر ان جميع الاحتياجات هي نفسانية وذهنية ولم يك للجسد فيها نصيب على شاكلة القلب الذي كانت له حصة الأسد في احتياج تلك المرأة ونقف لجانب الكاتبة برؤيتنا ان اقدس مقدسات المرأة هو قلبها وحين يغتصب الهم ذلك القلب وتعتليه سموم الحياة وتلطمه امواج الروتين فسرعان مايدب فيه الموت وأول الموت ضجر وآخره قلب من حجر ليس به متسع لأي من البشر .
امنياتي لصاحبة المقطع الروائي حسيبة طاهر بالتوفيق والى مزيد من الابداع والعطاء المتواصل ووقت طيب اتمناه لكل من يطالع قراءتي المتواضعة لما سطر ذلك القلم العجيب من درر تستوقفنا بقوة فكرتها وتأسرنا بعمق الوصف ونسق مفرداته وتناسق مضامينها .
عنوان لدراسة نقدية كانت لي في نص الروائية والأديبة حسيبة طاهر المواطنة الكندية من أصول جزائرية أطيب امنياتي لها وفائق الود . وهذا هو المقطع الذي قمت بدراسته من روايتها (لعنة الفرعون) .فوقت طيب اتمناه لكم مع النص ودراسته .وهذا هو النص :
// مقطع من لعنة الفرعون //
في قعر الظلام في جوف الخوف في عطش الصوت و اللون ، في ذلك العصر الغريب الطقوس كانت تتخبط في دوامة الحاضر المعجون بعصارة الماضي و الآتي المجهول الهوية و المعالم ، وقفت فغاصت أرجلها في أرض هشة سبحت كان اليم متيبسا، كانت هناك وحيدة بعيدة شاردةٌ شاردة ، زهرة تلهو بها يد الرياح لا غصن يسندها ،لم تتلقى أيّ لقاح ، فمناعتها أضعفها نقص الشمس في هذه المدينة المكفنة بياضا,هي من كانت تتغدى من لب الشمس و تتعشى من لهيبها , و تستحم بنورها حتى يأخد لونها ملامحها و ملامحها لونها ,فتشع نارا ونورا وجنتيها و تصير ثمرة يانعة قبل موسمها ، أي فيتامين ينقصها يا ترى؟؟ إنه عنبر الشرق وعبير المراعي ما ينقصها ، هناك حيث كانت تصطاد القمر و تضعه على حجرها فتهديه بعض القبل و يهديها عطرالربى , و إن عطشا فمن معين الحب يشربا،و يحتفي بهما الفراش و تزغرد البلابل و يغطيهما الدجى , و يرقصان على أنغام الغديرولحن الخرير و يتعطران بالصدى والشذى ، و يتوجهما المرج عاشقان من ذلك الزمان المنتسى , حيث كانت الأرض بالحب تكتسى و تشع بالصفاء والوفاء ، ويضع على جبينيهما آكاليل ياسمين مطوقة, و الشجر بهما نشوان و التّل ولهان يرمقهما بعين تتوق قريبَ الملتقى, و الزنبق يسرق منهما الغزل ليلقيه ذات حظٍ على مسمع الفتون العابرات للسفوح و المنحدرات , في ذلك الزمن البعيد القريب حيث كان الكون ملكها والدنيا خلقت لأجلها ، حيث كانت عروس الحب المدللة , هناك حيث اللا زمن, و المكان قلوب دافئة و أحضان فياحة بالعطر فواحة ،حيث الأمان أعين تهيم بملامح لينة شهية بهية غضة الأغصان تُرْشَقُ بالبسمات صبحا و مساء، في ذلك العهد كان لونها أخضر فاتح و كل همها أن يستفيق الوجود كي تفتح أبواب الكون و تخرج لتجمع النجوم في إبريق و تنثرها في الأفق عبيرا ينعش الأوردة فتلين و يجري بها دم صاف لم يلامسه ثنائي الممسك المسموم , هي من كانت كل ذلك الصفاء و الخواء و الهناء، صارت اليوم جبل هم شاهق يشهق حزنا مكتوما و يسيل دمعه مالحا فيقتل ما متبقى في نفسها من شتلات الأمل، ينهمردمعها سيلا معبأ بسموم الحياة حتى يكون بحيرة شديدة الملوحة و السمومة و التلوث لا يعيش فيها حتى الموت ذاته. -نهاية المقطع- .
الدراسة النقدية :
المقدمة :
منذ وجود اللعنة في هذا الكون وهي تحمل عنوان لسلبية متسلسلة ومتصلة وقد تكون سلبا تتكرر نسخته .وببساطة ان اللعنة هي شجرة الألم التي لاتموت ابدا وان اختفت براعم اشواكها حينا فأنها سرعان ماتوخز بريئا في لحظة لايحتسب لها وفي معظم الأحيان لم يك قد هيأ نفسه اليها لأن اللعنة منشأها الغدر والظلم او بالأحرى هي صناعة ونتاج وثمر لتلك المسميات سيئة الصيت وقد يراها اتباع الغيب بأنها جزاء واستحقاق يطال المسيء بينما يراها العقلانيين بأنها غدر يطال الأنسان في جسده او نفسه ولايجدون انفسهم معنيين بمعرفة سببها الغيبي بقدر محاولات علمية لم تزل في طورها البدائي لتحليل مفهوم اللعنة وقد تبدو فجة كلما ارتقت الأجيال سلم المعرفة . اللعنة يوثقها الأدب على انها معاناة ذات بعدين الأول معلوم وهو الأنسان والآخر مجهول او بألأحرى سبب لايتاح للعقل البشري القاصر ادراكه بشكل قطعي وحتمي . ومن هذا الباب وكما هو معلوم انه ينسب المولود لأقرب أب او لأقرب سبب أو جهة يتصل فيها لذا نقول عن معاناة شخص بأنها لعنة الفقر او لعنة الحرمان او لعنة المرض او لعنة الحظ او لعنة القدر وهكذا تتفتح أمامنا ابواب وطرق تفضي لوضع هذا المسمى في اطار قد يكون اقرب الى حقيقته وواقعه ولأنني أديب لذا ادون وجهة نظري بمجهر الأدب وانظر للموضوع بعين الأديب لذا اواصل مابنيت عليه وجهة نظري عن مفهوم اللعنة بأنها تنسب لأقرب جهة ومصدر لذا نرى لعنة الفرعون ماهي الا لعنة منسوبة لأقرب مصدر اليها وهو الفرعون ولأن الفرعون هو بحد ذاته اسوء رموز الذكورية ولأن اللعنة هي من اشنع الاعمال وابشع الأحداث لذا كان التناسق شديد في فكرة اقران اللعنة بالفرعون والتي هي عبارة عن معاناة متسلسة متوارثة يتوارثها طغاة الذكور جيلا بعد جيل .وماهذه سوى قراءة مبسطة مني او بالأحرى تأمل ابتدائي لمعنى لعنة الفرعون التي كانت عنوان لرواية بقلم الروائية الأديبة حسيبة طاهر المواطنة الكندية من اصول جزائرية . امنياتي لها بالتوفيق .
المدخل :
اتفق مع الروائية حسيبة طاهر على عدة امور منها ان الظلام في حقيقته هو قعر لأن الظلام هو انحدار وتسافل لذا تجد الظلام في جوف الأرض و الناس وفي مغارات الجبال المنحدرة والكهوف الملتوية .تجد الظلام في الأنفاق التي هي تحت السطح . الظلام هو اختباء وحجب وطمس لذا لاغرابة ان يكون للظلام قعر بل هو بعينه قعر و ردة ونكوص.وكذلك على وصفها جوف الخوف فأنا أرى ان الخوف في حقيقته هو اجوف وهناك شاسع كبير بين الخوف وبين الحذر فألحذر انك تتحذر من خطر له وجود فعلي اما الخوف فهو الهلع والقلق الشديد والتحسب لأوهام وخرافات قد تكون معتقدات او عادات وتقاليد وقد يخاف المرء من فكرة زرعها الأوغاد في ذهنه فآمن بضعفه واحتياجه وتبعيته وذلك ابشع الخوف بل ابشع من الخوف هو ان يسلم المرء قلبه الى الخوف ولمن يزرعون به الخوف ويهدمون ثقته بنفسه وابشع الخوف هو ان يخاف المرء ممن هو اضعف منه حقيقة وتلك هي الطامة الكبرى وقد يخاف المرء من نفسه وتلك هي لعنة من لعنات الخوف .
ونواصل تأمل نص الكاتبة حسيبة طاهر فنجدها تخبرنا عن عطش الصوت فكانت امامي مفرداتها هذه عبارة عن مركب من طرفين كل له ارتباطه فالعطش هو في الجوف والصوت مكانه الى الخارج فكان العطش هو الألم الصامت والصوت هو صرخات الألم وتعابيره لذا كان عطش الصوت هو مركب لطرفين يجمعهما الألم .وكذا عطش اللون هو الأندماج ببقية الألوان وان الملل هو قرين اللون الواحد حتما وماابشع الظلام لأنه بلون واحد معتم لاينسجم مع اي لون .
تتوجع الحروف وتضيق السطور بحملها بعد الصدور فهي بحق دوامة من ألم معجون بقلم الكاتبة وكانت بحق ترسم ألما غريبا يتوافق مع العصر الغريب الطقوس الذي يصدر ألما خليطا من عصارة الماضي ونتائجه الممتدة الى النقطة المجهولة في بعد الزمن الذي نسايره بالجهل ويقابلنا بما هو فوق توقعاتنا اغلب الأحيان . كان بحق ذلك الألم هو عبارة عن دوامة أدارها من ادارها في لحظة مضت ويصعب جدا التكهن بالجهة التي ستقف اليها او عندها لأن دوامة الألم لا معالم لها بل في الألم تتشابه كل الأشياء بفقدانها لرونقها وفقدان المرء للرغبة فيها .ومااصعب الوقوف على ارض هشة لاتساند الواقف ولا تدعم وقفته . لعمري ان الأرض الهشة والأرضية الهشة هي ذلك المجتمع التي نبتت به تلك المتألمة بطلة رواية الكاتبة فتلك الأرض تغدر وتخذل ولاتدعم الموقف الذي وقفت فيه .
وماكانت تلك السباحة في ذلك اليم سوى تواجد في مكان خدعت فيه كل الحواس فكان امامها بحرا ممتلأ وحين القت بنفسها في قلب اليم وجدته فارغا في اشارة واضحة للخذلان الذي هو نتيجة للخداع وقد يكون وهما كبيرا خادعا يظهر بحال وحقيقته حالة اخرى بائسة للغاية .
صراخ متواصل لبطلة الرواية وماافجع صرخات الوحدة والشرود ومالشرود الا هو وحدة وسط الجموع وانفلات للذات من كل الارتباطات الزمكانية .كم هو مفجع ألم المرء حين يكون آلة للهو وقضاء الوقت وتسلية للآخرين ليس الا كم هو صعب شعور المرء حين لايجد متكأ يستند اليه الا ذاته فيلجأ لنفسه يلتذ بها ويجبر أنكساره من ذاته المتألمة كم هو فضيع ان لاتجد بطلة القصة ذهنا تلاقح افكاره افكارها لينتشون بتراكيب فهم جديدة تتوالد فهما جامعا ونقطة التقاء وميناء استقرار وجذوة حياة وامل لأجلها تبث الحياة دفئ تواصلها . ويال تلك المناعة التي سرقتها يد الظلام في عتمة الليالي فبلاد تنقص فيها الشمس ويكسوها الثلج ستبرد فيها كل الأشياء وكذا النفوس التي ليس فيها سوى شتاء الضجر وجليد اليأس وقلة شمس الأمل لن يكون حالها كما هي حين تكون مشرقة بالأمل لاهبة من حر الرجاء ليكون لكل شيء من معالم حياتها معنى وعنوانا ثم تسكب الكاتبة وصفا بغاية الجمال لتلك الوجنات وتداخلهما بألنار والنور في اشارة لنار النضج ونور الفهم والأكتشاف فالنار والنور يتشابهان في المظهر ويختلفان في خارطة العمل فالنار قوة وقسوة وألم والنور رقة ولطف وارتياح وقد يتداخلان ظاهريا فتكون تلك الثمرة العجيبة ثمرة من نار ونور في آن واحد وكم هو صعب حين يجد نفسه نارا ونورا في وقت واحد وجسد واحد .
تتسائل كاتبة الرواية قائلة عن تلك الفتاة أي فيتامين ينقصها ياترى ؟ ومعلوم ان الفيتامين هو سند وقوة وتعويض لتترك للمتلقي ان يضع مايشاء من مسمى لشيء يرى تلك الفتاة تحتاج اليه حقا لتبدو في وضع امين لا وهن فيه ولا اضطراب هذا مايبدو لأول وهلة لكنها ولكي لاتكلف المتلقي عناء الأفتراض سارعت لملئ الفراغ بأجابة سريعة كي لايسبقها احد لفهم احتياج بطلة روايتها ولأنها هي الأقرب لبطلتها فكانت الأسرع اجابة من اي مفترض فعبرت بلسان حالها مجيبة انه عنبر الشرق والعنبر مكانه اعماق البحر في جوف الحيتان العنبر الذي يفترضه المتلقي بأنه الجمال المخبوء في مغامرة والأثارة المحفوفة بالخطر وعنبر الشرق هو عطر يستحوذ على كل المكان الذي ينتشر فيه بقوة منقطعة النظير هو العطر الجامع للقوة والأثارة هو النار والنور ومااشبه هذا العطر بتلك الثمرة .وتكمل اجابتها بأن ماينقص تلك الفتاة هو عبير المراعي ولعلها ارادت بعبير المراعي مساحات خضراء تتنسم فيها دفئ قبلات عطرية .وكانت بحاجة للأرتواء من حب يذهب بعطشها ويندي حياتها ويطري فيها روح الحب لتزهر على الدوام على فراش الطبيعة كانت تحتاج لأمتزاج زغاريد البلابل وغطاء الليل المرخى بالسكون كانت تحتاج للأنسجام مع الطبيعة الثابتة من سكون الليل وللطبيعة المتحركة من زغاريد البلابل وتجاوبها مع محضرها .كانت بحسب جواب الكاتبة ان بطلتها كان ينقصها العشق واكاليل الياسمين وكان ينقصها نشوة الشجر واشتياق التلال للمياه .كان ينقصها الغزل كان ينقصها ان تكون كما كانت عروسا مدللة بالحب ولهفة اشتياق تفوق التصور كان ينقصها دفئ لقلبها الذي اصابته يد الشتاء ببرد السنين وتستمر الكاتبة بتعداد ماينقص تلك الفتاة فتضع الأمان على قائمة احتياجها والصفاء والهناء ولكي تثبت ان بطلتها فعلا بحاجة لكل ماتم ذكره فهي تستدل على المفقود بما هو موجود فتصف حال بطلتها بجبل الهم الشاهق بالحزن والكتمان تجري من اعاليه الدموع جداولا ملحية تقتل شتلات الأمل وتكسر فيها روح الأخضرار وتلوث معالمها بالحزن الذي هو اشد من الموت لأن الموت يفر من مشهد يحتوي فجيعة تجاوزت بشاعة الموت من هول الألم .
نلخص رؤيتنا بأن الكاتبة أشبعت النص بالوصف الوافي بل تجاوزت مساحة التوصيف الوافي لكن يحسب لها انها كانت تنوع الصور وذلك لأحتياج فكرة النص الى طاقة عالية من العاطفة التي ينجم عنها التعاطف التام مع الفكرة المطروحة لفتاة شرقية تحمل بقلبها روح شرقية بجسد غربي في تركيب من طرفين لايلتقيان بأي حال الا بألأنحياز التام لأحدهما ومااصعب الحياة بين متضادين . وهنا يتوهج ابداع الفكرة التي تصور معاناة بهذا الشكل وتستعرض تلك الأشكالية عبر مقطع من رواية في عنوانها يبدو لنا التذمر من لعنة توارثها فراعنة العصر الحديث ومن ثم طرح تساؤل عن احتياج أساسي تعددت مطالبه لكن الأمر الملفت للنظر ان جميع الاحتياجات هي نفسانية وذهنية ولم يك للجسد فيها نصيب على شاكلة القلب الذي كانت له حصة الأسد في احتياج تلك المرأة ونقف لجانب الكاتبة برؤيتنا ان اقدس مقدسات المرأة هو قلبها وحين يغتصب الهم ذلك القلب وتعتليه سموم الحياة وتلطمه امواج الروتين فسرعان مايدب فيه الموت وأول الموت ضجر وآخره قلب من حجر ليس به متسع لأي من البشر .
امنياتي لصاحبة المقطع الروائي حسيبة طاهر بالتوفيق والى مزيد من الابداع والعطاء المتواصل ووقت طيب اتمناه لكل من يطالع قراءتي المتواضعة لما سطر ذلك القلم العجيب من درر تستوقفنا بقوة فكرتها وتأسرنا بعمق الوصف ونسق مفرداته وتناسق مضامينها .
رائد مهدي / ألعراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق