الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

الليلة الأخيرة — عبدالزهرة خالد البصرة / ١٠-٩-٢٠١٨


آخر الأخبار


الليلة الأخيرة
—————

عادتي في كل ليلة أنتظر عودة الأولاد وأسألهم عن أخبار البصرة والتظاهرات رغم متابعتي لها عبر التواصل الاجتماعي والهاتف المستمر بالعمل من داخل العراق وخارجه ، يوم الجمعة قررت الذهاب بنفسي أتكأ على أكتاف حفيدي لأشارك التظاهرات والإطلاع عن كثب على المظاهر والغايات التي يحملها المتظاهرون .
سيراً على القدم لقرب الموقع التظاهرة من مسكني مروراً بشارع قريب لاحظت هناك تجمع سيارات صغيرة وحافلات مزينة ومزكرشة لزفة عرس لكن هذه المرة بصورة هادئة دون أهازيج وصيحات المحتفلين وأعتقد أن هذا الجو الصامت جاء طبقاً للظرف الذي يمرّ به البلد.
من بعيد أرى تصاعد الدخان الكثيف بينما هناك بعض المتظاهرات ( الشابات ) قد عادت من التظاهرة بعد المشاركة حاملات الاعلام العراقية.
وصولاً إلى الشباب المجتمع من مختلف الشرائح حتى بعض عوائل قد شاركت هذا التجمع مع وجود عربات لتوزيع الماء البارد والعصائر والفواكه وانشغل بعضهم بحمل الأكياس لجمع العلب والقناني الفارغة .
وسط ( فلكة عبد الكريم قاسم ) يقف أحدهم يخطب بالجموع على سلميتها وعدم استخدام الدم بالدم كما فعله الاحزاب بل سوف نتوجه يوم الأثنين لتقديم الشكوى ضد من قتل الشباب.
لم تصبر دموعي على حبسها خلف قضبان الجفون ، ولم تهدأ حشرجة الكلام في إنحناءة الضلوع ، وجدت الشباب واعياً جداً يعرف دوره الريادي ويعرف كيف يحب الوطن لأنهم علموه كرهه ، تعلم كيف يشخص السلبيات وكيف معالجتها ، درس أهمال البصرة من كلّ الجوانب وباتت عجائزنا وشيوخنا يدركون ما يدور لأن الاحزاب استولت على مفاصل البصرة وتشبثت خراطيمها في جحورها وفراغات وامتدت عروقها إلى أسفل القواعد من خلال التجويع والترهيب والإغواء بالتسويف ، أيقنتُ أن هؤلاء الشباب أقوى قاعدة قد تبني أية ثورة أساسها بشرط ألا يسرقها أصحاب الديكورات والتلوين .
قامت الخفافيش من جحورها العفنة بحرق معالم الثورة وتشويه الصوت الهادر لكن الشباب يعلمون جيداًأنهم يركبون موجة ستوقع بهم أما على الرمال زبداً أم الى القاع ، لا يهمنها ما فعلوه لأن هناك سواعد تنتظر البناء والإعمار وليس شعار مكتوب على جبهة كتلة .
شعرت أن البصرة بقرة هزيلة ومن أضلاعها تدرّ الضروع ، هم يقبضون على الضرع بمخالبهم لا يضرهم نزيفها وإن استصرخت الراعي فهو منهم وإليهم وما كان علفها إلا فضلاتها وفضلاتهم . مدينة غريبة في وطن مسلوب الهوية والتضاريس عليها تعيش اللصوص برفاهية ونعيم وتعيش الكلاب على سطوح القصور ، مدينة العبور يسافر منها البطران إلى بلدان الرخاء ، مرسى القراصنة يتوازعون مع قطاعي الطرق غنائماً ، رغم ما قيل وقال وشماتة دعاة الدين وتشفّي صدور السلاطين ، فالحمد لله ستبقى مدينة لأنها أثبتت للخرائط الحدود وزينت الدنيا بمعاني الطيب والكرم وعسل النخيل ، لم يميتها الملاح ولا الرصاص ولا دخان حرائقهم ، ولا نفحات الخيانة والتجسس ، تبقى تبقى تبقى رغم العهود هم زائلون حتماً وهي عشب الخلود .
الحمد لله ولدت في البصرة وعدت إليها أعيش وأموت فيها ، جعلوها وحيدة تستصرخ أيتامها وأراملها ، تستنجد أحصنة شمر ، تستنجد بالخيام فيحرق لها الماء والهواء ، لم تجد غير إبنها البار الذي أشعل الشوارع تحت أقدام الظالمين لها ، ترهبهم إسم البصرة منذ زمن ليس ببعيد يعلمون جيداً
لولا البصرة لكانت الأمة غير أمة ، ولكان الهواء غير هواء ، والوطن غير وطن ، هي سلاح وعتاد الدفاع عن أسرة العراق ، هي الدعاء الذي يدفع البلاء ، لا يفرح من يحكمها أبداً فالفرار غايته وهدفه ، هذا الشعب إذا أراد أن يقول يقول لا يخشى الدجل ولا يخشى الرصاص ولا دوي الخيانة ، شعب نصفه شباب والنصف الآخر امرأة تعرف كيف تراعي وتربي وتزغرد أمام الطبول … لا يغطي حجمها أبداً قواميس الثناء ويسكتها التصفيق والصفير
صرخة تدوي في آذان التاريخ ، يا ويلّي من ثورة الجياع ، يا ويلّي من ثورة المظلوم فهو مرعب وإن قتله ألف سيف ، يا ويلّي عندما الملح يفور ، يا ويلّي عندما تغلي المياه في مراجل الأبطال…

——————
عبدالزهرة خالد
البصرة / ١٠-٩-٢٠١٨


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق