الخميس، 28 أبريل 2016

( الفصل الرابع والأربعون من رواية الظلال الوارفة ..تأليف : ناجح صالح

( الفصل الرابع والأربعون من رواية الظلال الوارفة ..تأليف : ناجح صالح 
--------------------------------------------

نهضوا مبكرين وتناولوا فطورهم ثم حزموا حقائبهم .
ساعة وداع ثقيلة يودع بعضهم البعض , ويلقون النظرة الأخيرة على القرية .
وافترقوا اخيرا ..كل الى وجهته .
اما طاهر فقد استقل السيارة الذاهبة الى مدينته وقد خلف وراءه قلبه ..القلب الذي يقطر هما وكمدا .
يقولون ان الحب ساحر جميل فلماذا يعاني هو وطأته ؟
ويقولون ان احلى ما فيه الغزل , يغازل الفتى فتاته وينظر في عينيها ويلمس يديها ويداعب شعرها ويغرق في بحر الأحلام معها .
لكن حبه هو خلا من كل ذلك , حب مغلوب على امره , مقيد ومدفون في اعماقه لا غير .. بلا هدف ولا مستقبل , الحب المستحيل . لماذا ساقه القدر اليها ..الى مريم دون غيرها ؟ لماذا خفق قلبه لأبنة القرية دون ابنة المدينة ؟
وانهال عليه شريط الذكريات وهو في جلسته من السيارة ينظر من النافذة الى اللاشيء .
اول ساعة وطئت قدماه ارض القرية واول ساعة رأى مريم , هل طبع حبها في قلبه في تلك الساعة ؟ اي وجه ؟ واية حلاوة وعذوبة ؟ حورية قادمة من الجنة ,اجل لم تقع عيناه على مثلها , اراد الله للجمال ان يقول له كن فيكون في شخص مريم .
كم من الساعات جلست تلميذته تسترق السمع اليه وهو الأستاذ الذي يلقي درسه ؟
كم من الساعات جمعهما سقف واحد ..سقف الصف داخل المدرسة ؟ وكم من الساعات اخيرا استظلا معا تحت سماء القرية بنجومها وقمرها وشمسها ,ببردها وحرها بسكونها وعاصفتها ؟
ومع ذلك فهي في منأى عنه , بعيدة كبعد السماء عن الأرض .
هو يعرف تماما انه لا جدوى من حب من هذا النوع ,حب وأد نفسه منذ الساعة الأولى ولكن ما باليد من حيلة , قدره الذي لا مفر منه , اما العقل واما المنطق فلا سلطان لهما عليه امام سحر مريم وجمالها .
شريط الذكريات لا يرحمه .
ترى من هو الفلاح الذي سيفوز بها ..اي فلاح جلف ؟ وتلامس يده الخشنة رقتها ونعومتها .اجل سيحظى بهذه الحورية فلاح مغمور لا يعرف قيمتها , فلاح جاهل متوحش قد يصفعها ويركلها ويعاملها معاملة الحيوان في حظيرته.
من يدري .. قد يكون مستقبلها مظلما كما هو حال مستقبله , غير الحاضرالذي يؤذيه , من يدري اي رجل يأخذها الى احضانه واية امرأة يرتمي هو الى احضانها ؟
ارتد مذعورا من الفكرة الجهنمية التي طرأت عليه .
وعاد من جديد يتأمل مريم ..ترى اين تجلس الآن ؟ مع من تتحدث ؟اي حلة ترتديها ؟ كيف تسريحة شعرها ؟ ليته كان نسمة ليداعبه , ليت له العين السحرية فيراها من غير ان تراه ويتتبعها خطوة بعد خطوة ..حركتها ,التفاتها,ابتسامتها ,حديثها , كيف تأكل ؟ كيف تنام ؟وحتى كيف تحلم ؟
الى اي مدى يلعب به الخيال ؟ والى اي مدى تراوده الأفكار المجنونة ؟
واحس بالعطش بينما السيارة تمضي في رحلتها الطويلة , اهو فمه المتعطش ام قلبه ؟
ثم اتراها تذكره ؟ وهل يخطر المدرس العاشق لمخيلة تلميذته ؟ واذا ذكرته فبأية صورة واية ملامح ..هل ترثي له ؟هل تتحسر لفراقه ؟ اتراها تعرف حجم مأساته وعمق حزنه وكثرة همومه ؟ ام انه على الجملة نكرة ليس له دبيب نملة لحواسها ,وها هو يتدحرج الى ظلام , الى هوة ليس لها قرار .
ما الذي قاله نزار ليلة امس ..اي اعتراف خطير؟ يتمناها زوجة له , كيف ومتى ؟
هل اصابته رعشة الحب نحوها ؟ هل كان يشاركه خفقان القلب ازاءها ؟ ثم انسحب حينما اكتشف ان هذا الحب يكلفه ما لا يطيق وانه ليس الا مغامرة مستحيلة , فكر بمنطق العقل فانسحب ,بينما ظل هو يركض وراء سراب فاقدا العقل ومنطقه .. يحلم ويحلم دون جدوى. ازداد عطشه بينما السيارة تكاد تنهي رحلتها الطويلة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

Text Widget

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل