 الفخ أصب الماء بكأسين استطيع أن أنظر إلى الكأسين بعين واحدة لكن مستحيل أن أشربهما معا في ذات اللحظة فجأة استدرنا جميعا عند سماعنا صوت اصطفاق مصيدة الفئران ، لم يمسكه في ذنبه أو في مشط قدمه ، قَدرٌ أن يدق عظم رقبته ، في هذه اللحظة لا يستطيع المرء إلا أن يفكر في القدر. أنت لا تستطيع أن تتخيل كيف تقلص وجهي دهشة حين ظهر الفأر مسجيا على خشبة المصيدة ، ذراعان مقوستان على جسم مسترخي ،و ساقاه تراجعت ممدودتان إلى الخلف ، والذباب يتزاحم على بقعة دمه اللزجة ،تنفخ في وجهي بشاعة المنظر والرائحة ،سيهترئ سروالي من كثرة الجلوس مقرفصا وأنا أتأمل خياله يتماوج على خشبة المصيدة الملساء ، أفكر بغبطة : لولا قطعة السمك المملحة والمدهونة بالزيت لما انتصرنا . فيما أنا أتواسى في ابنيّ الأول الذي بترت قدميه أم في الثاني الذي فقد بصره ،أقترب الأول متحاملا على عكازية ، فيما الثاني اقترب متحسسا الجدار : - إن متعتي في قتل فأر تعادل قتل واحد منهم - أف رائحته لا تعجبني .....أقذف به خارج البيت . ليس للإنسان حق باستخدام أنفه في الروائح الكريهة ،قلت لهما: -هذه ليست المرة الأولى أقتل فأرا لكنها المرة الأولى التي أصرخ فيها . وقف ابني الأعمى ينظر عبر الزجاج المغبش للنافذة ، يرسل إشارات سمعية بدقة وإتقان تكمل اتحاد ظلمتين في واحدة،قال لي: - الحيوان أما أن تستأنسه أو يستأنسك . ابني الأول الذي بترت قدميه ،وضع عكازيه ببطء وهدوء وجلس على الخوان ، في حنجرته خواء ،عيناه ساكنتان وهذا يعني أنه لا يريد الشروع في التفكير ، راضيا بمصيبته وبذلك لم يثر صخبا ، لقد غير محطة التلفزيون غيرعابئ بما حدث ،قال: -إن الفئران أكثر الحيوانات سعادة ؟؟؟؟ قال الأعمى : - كيف - حياتها سرية ومليئة بالمغامرة ، تقتلها لكنها تهزمك . ..ذكية ... تعتبر أقصر مسافة بين نقطتين الخط المتعرج وليس المستقيم . خبط الأعمى كف بكف : "يتفلسف الأخ " سكنت ارتعاشته ، أطل برأسه من شق المراقبة ، ،تراجع عن مصمصة شفاهه ، وعندما عرف ما يجري،تابع قرض فتات الكعك ، سمع الأعمى من تحت أجفانه خربشة في خزانة الملابس،تكشف هي الأخرى وجود فأر ، الفأر صار فلكا تدور به أوهام العقل ، شاهد كل ذلك من تحت جفنيه وابتسم . نطق الفأر بأسمائنا من وراء باب الخزانة : - أنت ياصاحب العينين الميتتين .....أنت ياصاحب القدمين الميتتين ...أنت أيها العجوز الأخرق نظرنا الى بعضنا كما لو أننا نتعرف على بعضنا أول مرة ،لم نتكلم ، صعقنا النداء ظننا أنه شبح وكنا نتسائل بكلمات مقتضبة ،غامرت بإرسال نظرة أخرى إلى المصيدة ،شاهدت المزيد من النمل والذباب تزحف ارتالا آتية صوبه ، مدفوعة بتيار غريزي آت من الهواء والأرض بان معا ،إنه العالم بشكله الصادق . في لمح البصر حدث شيء لم أتوقعه ، إن كنت مؤمنا فيجب أن تصدق بالخوارق ، انقسم الفأر قسمين ، واحد ركض مسرعا الى خزانة الملابس ، والثاني بقي مكوما ينظر إليَّ نظرة دموي . فؤاد حسن محمد- جبلة -سوريا |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق