
بقلم مصطفى رضوان
المنسي 2
كانت أيام عيد الأضحى المبارك اجتمعت العائلة الكل هنا فرح وسعيد بحلول هذه المناسبة الدينية العظيمة .. تحلق الصغار و الكبار حول الأم أمينة ينتظرون نصيبهم من الشواء .. كان الدخان يبلغ عنان السماء و أصوات الصبية تملأ المكان .. و في لحظة ، قالت الأم أمينة بنبرة حزينة : لابد من زيارة خالتكم ، سليم مريض .. حل صمت رهيب و كأن على رؤوسنا الطير .. و في صبيحة الغد كنا نطرق باب الخالة زهرة .. أطلت برأسها الأشيب من أعلى دارها ، كانت سعيدة بقدومنا و لما فتحت الباب كان في استقبالنا كعادته دائما .. لاشيء يحبه سليم أكثر من القراءة و زيارة الأهل و الأقارب .. و أنا أقبل منارة العلم و الأدب كنت أتحسس جسمه النحيف ، لم يتبقى منه شيء كريشة في مهب الريح ؛ صوته ضعيف لا تكاد تسمعه و مشيته ضئيلة .. جلس بجانبي و هو يحملق في تلك الوجوه التي أصبحت غريبة عنه كانت تتراء له و كأنها شخصيات خيالية من نسيج رواياته أو أشباح جاءت من عالم آخر لا ينتمي إليه .. يحدثنا بصوت منخفض كمن يحدث نفسه وبين الفينة و الأخرى يسألني : من هؤلاء ؟ .. قال لي ذات يوم : إن الإنسان مخلوق ضعيف يبدأ ضعيفا و ينتهي ضعيفا .. بعد وجبة الغداء كنا نسأله لعله يستطيع تذكر تلك الوجوه التي تحلقت حوله .. كان يبتسم و يقول إنهم ضيوف أمي و كان يشير إلى زوجته الخالة زهرة ، كانت تبتسم من قوله و عيناها مملؤتان بالأسى و الحصرة لما آل إليه مصير زوجها . . كنت أطأطئ رأسي حتى لا تفضحني دموعي .. و أنا هائم في عالم ذكرياتي إذا بيد واهنة تربت على كتفي .. همس في أذني : - أريد الخروج .. لم أسمع ما قال ، نظرت إلى خالتي ..؟ قالت : إنه يريد الخروج قلت له : إلى أين ؟ قال : البحر . في جلسة حميمية كان سليم يتذكر أيامه الخالية حين كان مديرا لإحدى المخيمات الصيفية و كنا نتذكر معه طفولتنا المنسية .. قال لي إن الأحوال قد تبدلت و الدنيا تغيرت و لم يعد الزمان كما كان و تمتم بكلمات لم أسمعها ثم نظر إلينا يتفحص ملامحنا و كأنه يبحث عن شيء أو شخص لم يكن موجدا بيننا .. سألته : ما بك سيد سليم ؟ قال : أين أمي ؟ قلت أمك!؟ قال نعم ، زهرة كانت خالتي ...
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق