- قراءة في أدب محمد عبد الحليم عبد الله –
-------------------------------------------
-------------------------------------------
بدأ نجم محمد عبد الحليم عبد الله يتألق بعد نيله الجائزة الأولى من المجمع اللغوي لأحسن قصة عن كتابه ( لقيطة ) عام 9 4 9 1
وفي عام 3 5 9 1 نالت روايته شمس الخريف جائزة الدولة في الأدب تلتها رواية بعد الغروب التي نالت الجائزة الأولى الممتازة من وزارة المعارف في الستينيات .
وتعتبر شجرة اللبلاب وغصن الزيتون من رواياته الأخرى الرائعة التي تجذب الأنظار بما فيها من لمسات رومانسية .
والواقع أن محمد عبد الحليم عبد الله لم يلتفت اليه النقاد كثيرا ، وأنه كان بعيدا عن الأضواء وعن وسائل الاعلام .
ويبدو لي أنه آثر أن يبقى في الظل بعد أن ترك قلمه ليقول كلمة الفصل في هذا الشأن .. والحق أن هذا القلم أدى مهمته خير أداء في تصوير الواقع الاجتماعي المصري سواء في المدينة أو في الريف .
فرواية شجرة اللبلاب تتحدث عن عذراء أهدت قلبها الى شاب متردد شكاك لتقع ضحية هذا الحب الجارف بسذاجة وعفوية دون أن تشعر بالندم على ما فعلت .. فبعد ما منحته جسدها تركها وهرب منها ظنا بها أنها لا تختلف عن سواها في الوقت الذي كانت الفتاة تريد أن ترضيه بأية وسيلة .. هي أخطأت حقا خطأ ًجسيما بفعلتها هذه لكنه هو لم يكن أهلا لهذه التضحية .
والمعروف أن اللبلاب هو نبات طفيلي ينمو ويتسلق الى الأعالي سريعا ، وقد كان حبل الوصل بين الفتى والفتاة ، اذ كانت حجرته التي يسكن فيها تعلو حجرتها .
وقد تحولت هذه الرواية الى فيلم سينمائي أثار اعجاب المشاهدين سيما بنهايتها المفجعة الحزينة .
أما رواية غصن الزيتون فهي تروي علاقة مدرس بتلميذته لتؤول هذه العلاقة الى زواج .. غير أن الغيرة تدفع بالزوج الى القلق ، حتى انقلب هذا العش الزوجي الى عش مضطرب كأنما تضربه رياح عاتية ، فها هو الزوج يخلق أزمات مفتعلة بين حين وحين في رواحها وأيابها وفي حركاتها وسكناتها .
هو خائف عليها أن تضيع منه ، ذلك أنها كانت أيام التلمذة لا تستقر على حال ، مندفعة بجرأة في خطواتها ، وها هو يتوهم أنها كانت تنظر الى أحد من زملائه المدرسين نظرة اعجاب وحب .. وأن هذا الزميل كان يتردد على دارها ، ولعله هو الآخر كان يغازلها .
ومع أنها أقسمت لزوجها أنها مطيعة له محبة مخلصة .. الا أنه ظل يطارده شبح تلك الصورة التي تثير في نفسه الظنون والشكوك ، هو في دوامة هذا الصراع الذي لا يتيح له أن يرى الحقيقة وفي ساعة من هذه الساعات تجد هي نفسها قد طفح بها الغضب وضاقت بها السبل لتغادر الدار ميممة وجهها الى أسرتها .. ليجد الرجل نفسه وحيدا كئيبا وقد خلت الدار ممن يهيم بها عشقا .. فراح يعيد حساباته ليعترف بأنه أساء اليها ، بل لقد ظلمها .
وأخيرا يذهب اليها حاملا غصن الزيتون باسطا اليها يده لتسامحه ، فلم تتردد بالعودة اليه .. وهكذا يعود الحب والوئام الى قلبين عاشقين .
وحينما ننتقل الى رواية بعد الغروب نجد فيها نكهة مغايرة ، ذلك لأن شخصياتها متباينة بين فقر وغنى وأمل ويأس ، مع تردد وجرأة .
في البدء يطالعنا ( عبد العزيز ) مرتحلا من القرية الى المدينة للبحث عن وظيفة بعد أن أكمل دراسته في كلية الزراعة ، والحصول على الوظيفة أمر شاق لا يتيسر لكل أحد ، وينتظر الأيام والشهور حتى يقيض له أن يجد وظيفة ( ناظر عزبة ) عند أحد الوجهاء .
وفي هذه العزبة الشاسعة ، المظللة بأشجار الفاكهة ، يجد الفتى الراحة والسكينة بعد أن ذاق الأمرين من الفقر والفاقة .
ان أسرته اليوم بأمس الحاجة اليه لينتشلها مما آلت اليه من خطوب اذ تبدد المال الذي كان بحوزة أبيه في مضاربات تجارية بعد أن كانت له مساحة من الأرض توفر رزقا متواضعا .
وهكذا يشق الفتى طريقه كمن يحمل فأسا يضرب به الصخر .
وعلى أرض العزبة تبدأ أحداث الرواية الدرامية .. يلتقي عبد العزيز بأميرة – ابنة صاحب الأرض – فيخفق لها قلبه منذ أول ساعة .
أما صاحب الأرض فهو رجل رقيق متواضع يهوى الأدب ، وكلما زار العزبة بين حين وحين مصطحبا معه ابنته ، يجالس الفتى ويتحدث معه في شؤون الزراعة أولا ثم في شأن الأدب ثانيا ، وكان عبد العزيز يشاطره حب الأدب .
وكلما مرت الأيام يجد الفتى نفسه قد وقع أسيرا في هوى الفتاة ، لقد شغلته الفتاة شغلا دائما متصلا ، لكنها هي حذرة مترددة في اتخاذ موقف حياله .
ان أجواء العزبة تثير في النفس لواعجها وأشواقها ، أجواء فيها سحر وعذوبة .. ومع ذلك كانت عقدة الفقر تلاحقه ، أين هو منها .. في ثرائها ونعيمها ! ثم الى أي مدى خاتمة هذا الحب !
ويوما وهما جالسان جنبا الى جنب تحت ظلال الأشجار المتناسقة يجرأ بأن يصارحها بمكنونات قلبه فاذا هي الأخرى تعترف له بأنها تهواه ، وكانت الشمس حينئذ قد آذنت بالغروب .
غير أن الأقدار فرضت نفسها آخر المطاف بضربة قاضية على هذه العلاقة ، اذ ارتأى الأب أن تكون ابنته زوجة لابن عمها وأخذ العهد منها قبل أن يقضي نحبه فأذعنت لرغبة أبيها ولم تشأ أن تخيب أمله في هذه الساعة .
وهكذا أغتيل الحب بيد الأقدار ، أما الفتى فقد أضطر أن يرتحل ، حاملا قلبه على كفه دون أن ينسى ساعة ما بعد الغروب .
ان محمد عبد الحليم عبد الله يريد أن يقول لنا في هذه الرواية أن التفاوت الطبقي يفرض نفسه على المجتمع وأنه هو الذي يقف حائلا ازاء خفقات قلوب المحبين .
فأي بصمات مميزة طبعها هذا الأديب الكبير على دنيا الأدب .
-------------------------------
وفي عام 3 5 9 1 نالت روايته شمس الخريف جائزة الدولة في الأدب تلتها رواية بعد الغروب التي نالت الجائزة الأولى الممتازة من وزارة المعارف في الستينيات .
وتعتبر شجرة اللبلاب وغصن الزيتون من رواياته الأخرى الرائعة التي تجذب الأنظار بما فيها من لمسات رومانسية .
والواقع أن محمد عبد الحليم عبد الله لم يلتفت اليه النقاد كثيرا ، وأنه كان بعيدا عن الأضواء وعن وسائل الاعلام .
ويبدو لي أنه آثر أن يبقى في الظل بعد أن ترك قلمه ليقول كلمة الفصل في هذا الشأن .. والحق أن هذا القلم أدى مهمته خير أداء في تصوير الواقع الاجتماعي المصري سواء في المدينة أو في الريف .
فرواية شجرة اللبلاب تتحدث عن عذراء أهدت قلبها الى شاب متردد شكاك لتقع ضحية هذا الحب الجارف بسذاجة وعفوية دون أن تشعر بالندم على ما فعلت .. فبعد ما منحته جسدها تركها وهرب منها ظنا بها أنها لا تختلف عن سواها في الوقت الذي كانت الفتاة تريد أن ترضيه بأية وسيلة .. هي أخطأت حقا خطأ ًجسيما بفعلتها هذه لكنه هو لم يكن أهلا لهذه التضحية .
والمعروف أن اللبلاب هو نبات طفيلي ينمو ويتسلق الى الأعالي سريعا ، وقد كان حبل الوصل بين الفتى والفتاة ، اذ كانت حجرته التي يسكن فيها تعلو حجرتها .
وقد تحولت هذه الرواية الى فيلم سينمائي أثار اعجاب المشاهدين سيما بنهايتها المفجعة الحزينة .
أما رواية غصن الزيتون فهي تروي علاقة مدرس بتلميذته لتؤول هذه العلاقة الى زواج .. غير أن الغيرة تدفع بالزوج الى القلق ، حتى انقلب هذا العش الزوجي الى عش مضطرب كأنما تضربه رياح عاتية ، فها هو الزوج يخلق أزمات مفتعلة بين حين وحين في رواحها وأيابها وفي حركاتها وسكناتها .
هو خائف عليها أن تضيع منه ، ذلك أنها كانت أيام التلمذة لا تستقر على حال ، مندفعة بجرأة في خطواتها ، وها هو يتوهم أنها كانت تنظر الى أحد من زملائه المدرسين نظرة اعجاب وحب .. وأن هذا الزميل كان يتردد على دارها ، ولعله هو الآخر كان يغازلها .
ومع أنها أقسمت لزوجها أنها مطيعة له محبة مخلصة .. الا أنه ظل يطارده شبح تلك الصورة التي تثير في نفسه الظنون والشكوك ، هو في دوامة هذا الصراع الذي لا يتيح له أن يرى الحقيقة وفي ساعة من هذه الساعات تجد هي نفسها قد طفح بها الغضب وضاقت بها السبل لتغادر الدار ميممة وجهها الى أسرتها .. ليجد الرجل نفسه وحيدا كئيبا وقد خلت الدار ممن يهيم بها عشقا .. فراح يعيد حساباته ليعترف بأنه أساء اليها ، بل لقد ظلمها .
وأخيرا يذهب اليها حاملا غصن الزيتون باسطا اليها يده لتسامحه ، فلم تتردد بالعودة اليه .. وهكذا يعود الحب والوئام الى قلبين عاشقين .
وحينما ننتقل الى رواية بعد الغروب نجد فيها نكهة مغايرة ، ذلك لأن شخصياتها متباينة بين فقر وغنى وأمل ويأس ، مع تردد وجرأة .
في البدء يطالعنا ( عبد العزيز ) مرتحلا من القرية الى المدينة للبحث عن وظيفة بعد أن أكمل دراسته في كلية الزراعة ، والحصول على الوظيفة أمر شاق لا يتيسر لكل أحد ، وينتظر الأيام والشهور حتى يقيض له أن يجد وظيفة ( ناظر عزبة ) عند أحد الوجهاء .
وفي هذه العزبة الشاسعة ، المظللة بأشجار الفاكهة ، يجد الفتى الراحة والسكينة بعد أن ذاق الأمرين من الفقر والفاقة .
ان أسرته اليوم بأمس الحاجة اليه لينتشلها مما آلت اليه من خطوب اذ تبدد المال الذي كان بحوزة أبيه في مضاربات تجارية بعد أن كانت له مساحة من الأرض توفر رزقا متواضعا .
وهكذا يشق الفتى طريقه كمن يحمل فأسا يضرب به الصخر .
وعلى أرض العزبة تبدأ أحداث الرواية الدرامية .. يلتقي عبد العزيز بأميرة – ابنة صاحب الأرض – فيخفق لها قلبه منذ أول ساعة .
أما صاحب الأرض فهو رجل رقيق متواضع يهوى الأدب ، وكلما زار العزبة بين حين وحين مصطحبا معه ابنته ، يجالس الفتى ويتحدث معه في شؤون الزراعة أولا ثم في شأن الأدب ثانيا ، وكان عبد العزيز يشاطره حب الأدب .
وكلما مرت الأيام يجد الفتى نفسه قد وقع أسيرا في هوى الفتاة ، لقد شغلته الفتاة شغلا دائما متصلا ، لكنها هي حذرة مترددة في اتخاذ موقف حياله .
ان أجواء العزبة تثير في النفس لواعجها وأشواقها ، أجواء فيها سحر وعذوبة .. ومع ذلك كانت عقدة الفقر تلاحقه ، أين هو منها .. في ثرائها ونعيمها ! ثم الى أي مدى خاتمة هذا الحب !
ويوما وهما جالسان جنبا الى جنب تحت ظلال الأشجار المتناسقة يجرأ بأن يصارحها بمكنونات قلبه فاذا هي الأخرى تعترف له بأنها تهواه ، وكانت الشمس حينئذ قد آذنت بالغروب .
غير أن الأقدار فرضت نفسها آخر المطاف بضربة قاضية على هذه العلاقة ، اذ ارتأى الأب أن تكون ابنته زوجة لابن عمها وأخذ العهد منها قبل أن يقضي نحبه فأذعنت لرغبة أبيها ولم تشأ أن تخيب أمله في هذه الساعة .
وهكذا أغتيل الحب بيد الأقدار ، أما الفتى فقد أضطر أن يرتحل ، حاملا قلبه على كفه دون أن ينسى ساعة ما بعد الغروب .
ان محمد عبد الحليم عبد الله يريد أن يقول لنا في هذه الرواية أن التفاوت الطبقي يفرض نفسه على المجتمع وأنه هو الذي يقف حائلا ازاء خفقات قلوب المحبين .
فأي بصمات مميزة طبعها هذا الأديب الكبير على دنيا الأدب .
-------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق