قصة قصيرة . "أكل الزهور"
إتكأ على قن حائط بمدخل الشارع الشعبي، قميص ذو أزرار متحررة كدماغه الهارب من خزانة والده ..يسمح للأعين المتجولة بين الأقدام،بالاستقرار بصدره الموارب عن فضول وربما شهوة..شعره أعلن عن ثورة على الشارع الكتوم فاختار له من الموضة مايميزه عن خلانه ..فكان متراصا كحراس جبهته العريضة ،أسودا فاحما كلون حاجبيه،الذي مر من أحدهما زقاق فارغ هو بالواقع ندبة مفتعلة ،كآخر صيحة موضة رآها بمجلة "شباب وحياة" .. انحنى "عادل" وهو يغمز لرفيقه الذي كان يجلس القرفصاء بجانبه ،يراقبان مشهد خداع دبراه معا، ينتظران ضحية جديدة تنحني على حقيبة جيب فارغة،رماها أمامه مسافة متر ،وشداها بخيط رفيع لا يكاد يظهر(السبيب) هاهي ذي "مي هنية" عائدة من السوق،تحمل قفتها كالمعتاد،تكاد تنكب على وجهها وهي تحاول شد القفة الممتلئة بما اقتنته لحاجياتها اليومية.. تمر على بدوي يمد أمامه قنينات حليب وبيض "بلدي" وبعض الأعشاب كنبتة "المخينزة"..تقتني باقة، فيومها كان طويلا بالسوق وقد تصيبها ضربة شمس لا تنفع معها إلا "المخينزة"..تدقها حتى يفرز منها ماء أخضر ،وتمزجه ببصل وشطر من حبة خضر "السلاوي،وبعضا من صابون معطر مفروم،وتضع الخليط على رأسها فيمتص حرارة لا تفلح معها أحيانا أدوية الطبيب الذي بات ينصح أيضا بتلك العشبة سريعة المفعول ! تمضي "مي هنية" بطريقها وهي تميل ذات اليمين والشمال، فلا يلبث نظرها إلا أن يقع على حقيبة الجيب،فتسارع الخطى وقد خف حمل القفة ..تلتفت ذات اليمين والشمال وهي تهمس بصوت لا يكاد يسمعه إلا الثرى : -سبحان الله ! خسرت اليوم فلوس الضو لي خلالي "علال" والله مبغاش يخيبني...الله ! بسم الله ! تمد يدها على المحفظة ،فيجر رفيق عادل الخيط الرفيع،لتتبعها عين وقلب وخيبة "مي هنية" تحت قهقهاتهما..وتغادر مي هنية وهي تلعن وتسب هذا الجيل ،فيتبعها عادل مقبلا رأسها: _مي هنية ! غي تنضحكو ..اري نهزليك القفة ! _حيد علي ..متشكيتش عليك ! تغادر مي هنية ساخطة، ويعود عادل مبتهجا لانه استطاع ان يسجل هدفا لصالح خدعه.. وعلى رأس الشارع ،يظهر رجل غريب،يرتدي بدلة رسمية سوداء ،ويبدو عليه التردد ،عيناه تتنقلان من مكان إلى آخر يتقدم نحو دكان الحي،ويدور بينهما حديث طويل،أشار بعده صاحب الدكان نحو بيت"الصالحة" ليتوجه الغريب نحو البيت وهو يتطلع نحو خالد الذي صادفه بطريقه ،وعيناه لم تنزل عنه تتفحص بدلته، وخطواته السريعة نحو بيت "مي الصالحة".. كان عادل يتساءل عن سبب وجود هذا الغريب ببيت أرملة لم يزرها شخص منذ أزيد من سنة ،فرجح ان يكون من عائلة زوجها الذين يقطنون خارج المغرب ،أتى ربما لزيارتها مستغلا اجازة الصيف ... وكمن أعياه التفكير والتخمين، اتجه صوب صاحب الدكان، فسأله عمن يكون ذاك الشخص،فلم يجد عنده إجابة تشفي الغليل ،سوى أنه كان يصف له مواصفات مي الصالحة ،فدله على البيت ! تحت غموض الموقف ،فتح الباب لتظهر منه سيدة خمسينية،ترتدي لباسا طويلا وتضع على رأسها منديلا أزرق،يتقدم الغريب ويمد يده مصافحا، ويحادثها كلاما لا يصل الى سمع عادل الذي لم تبارح عيناه المشهد... اختفى الغريب داخل البيت، ليعود بعد مضي مايقارب الساعة،وهو يتأبط يد ابنة مي الصالحة "" كريمة" التي بدت شاحبة ،نظراتها تائهة فارغة بوجه طفولي لم يتعد الست سنوات... مشهد أثار فضول عادل فلم يتمالك نفسه ،ليسارع نحو مي الصالحة، التي كانت لا تزال واقفة أمام الباب،وكأنها تودع كريمة.. - مي الصالحة ،فين غادة كريمة... وكأنه ضغط زرا خفيا للدمع فانساب على خدها منهمرا : _ تزوجت... كريمة تزوجت أولدي ! _ لا أ مي الصالحة لا ! متقوليهاش !! كريمة !؟؟ القاصر !!!
رشيدة محداد المغرب
 |
|
|
قصة تلامس واقع مجتمعاتنا العربية وتطرح موضوعا شائكا اغتصاب حقوق الطفلة في عيش مرحلة مهمة من حياتها وحرمانها أبسط حقوقها في اللعب والمرح وتحميلها مسرولية أسرة في حين أنها تحتاج للرعاية أكثر في هذا السن مل خءا يحدث في القرن 21 الذي ندعي فيه الحضارة والتطور .. قصة لم تخل كباقي القصص التي تؤلفها كاتبتنا المتميزة لم تخل من فنيات وأسلوب مبدع وسلس واستحضار لبعض العادات والتقاليد المغربية وتوثيق للأزقة والحومة المغربية ... مبدعة أستادة رشيدة
ردحذف